السياسة المصرفية السعودية .. مرجعية مثلى لقمة العشرين

تتجه أنظار العالم قاطبة اليوم نحو مدينة لندن في بريطانيا العظمى، التي ستحتضن اليوم فعاليات اجتماع قمة دول العشرين، التي يتوقع لها أن تناقش مسودة مطروحة أمام قادة دول مجموعة العشرين، تتكون من 24 نقطة رئيسية، تركز في مجملها على إيجاد محفزات وطرح رؤى وأفكار، تؤدي بنهاية المطاف، إلى استقرار أداء الاقتصاد العالمي، وإلى استقرار كذلك أداء أسواق المال العالمية، التي كما هو معروف، بأنها قد عانت خلال الأشهر الماضية، عديدا من الاضطرابات في الأداء على أثر انفجار تداعيات الأزمة المالية العالمية في النصف الثاني من العام الماضي، التي بسببها أشهر عديد من المؤسسات المالية العالمية والتجارية إفلاسها، مثال بنك ليمان براذرز، الذي أعلن إفلاسه في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي.
مسودة اجتماع قمة العشرين، التي ستعقد بمدينة لندن اليوم، ستركز، كما أسلفت، على بحث جملة من الآليات والأساليب والطرق الكفيلة بإرساء قواعد استقرار أداء الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أداء القطاع المصرفي الدولي، وذلك من خلال توفير الدعم المالي اللازم للقطاع المصرفي، وزيادة الإنفاق الحكومي، وتدبير أموال إضافية لصندوق النقد الدولي، التي يتوقع لها أن تصل قيمتها إلى نحو تريليوني دولار أمريكي، هذا إضافة إلى التزام دول العالم، وبالذات الدول الصناعية الكبرى بتجنب الحمائية للسلع (وبالذات الأساسية)، ومعالجة مشكلة الملاذات الضريبية، إلى جانب معالجة وضع البنوك العالمية، من خلال التصدي لمسألة المكافآت المرتفعة والمبالغ فيها، التي كانت تمنح للمديرين التنفيذيين في تلك البنوك في السابق، وكذلك وضع قواعد وأسس للحد من الممارسات الخاطئة المرتبطة بثقافة المخاطرة المرتفعة في المؤسسات المالية.
من بين النقاط الرئيسية كذلك، التي تضمنتها مسودة النقاش المذكورة، الحث على ضرورة التوقف عن "التنافس بين الدول الصناعية الكبرى في تخفيض العملات"، وضرورة أن يكون للدول الناشئة والنامية، بما في ذلك الفقيرة، كلمة ودور في المؤسسات المالية العالمية، مثال صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وغيرهما.
تأتي أهمية وصفة العلاج التي تقدمها قمة العشرين للمؤتمرين وللحاضرين في الاجتماع كونها ستعمل على تحفيز الاقتصاد العالمي على النمو المتوازن والعادل، بالوتيرة التي يتوقع لها أن تستحدث نحو 19 مليون فرصة عمل جديدة في العالم، إضافة إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي بما نسبته نحو 2 في المائة، الأمر الذي سيتحقق عنه، وكما أسلفت، الاستقرار الاقتصادي والمالي المنشود للعالم.
يعلق العالمان العربي والإسلامي آمالا كبيرة على حضور المملكة العربية السعودية اجتماع قمة العشرين في لندن، باعتبارها الدولة الخليجية والعربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين، التي تكونت في عام 1999، عقب أحداث الأزمة المالية والاقتصادية التي أصابت الأسواق الآسيوية، ويرجع سبب تعليق تلك الآمال، لكون الاقتصاد السعودي، يعد الاقتصاد الأكبر على مستوى المنطقة العربية، إذ يشكل نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العربي، كما أن الاقتصاد السعودي، لا يزال رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية، يقف صامداً وقوياً، ويعد لاعبا رئيسيا ومؤثرا في توجهات السياسات الاقتصادية والمالية في العالم، وذلك لعديد من الاعتبارات، التي من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، تبوؤ المملكة لمكانة عالمية متميزة من حيث ثقلها الاقتصادي والنفطي، وبالذات النفطي، المتمثل في قدرتها الفائقة على ضبط إيقاع أسعار النفط العالمية، بالشكل الذي لا يضر بأداء الاقتصاد العالمي، ومن هذا المنطلق فإن المجتمعين في قمة العشرين يعقدون هم الآخرون آمالا كبيرة على مشاركة المملكة في ذلك الاجتماع، وذلك وفقما أكدت عليه كاترين أشتون مفوضة العلاقات التجارية في المفوضية الأوربية في حديث لها نشر في صحيفة "عكاظ" في العدد 15555، بأن مشاركة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، في قمة العشرين مهمة للغاية، لما للمملكة من وزن اقتصادي على الساحتين العربية والدولية، كما أن مقترحات خادم الحرمين الشريفين التي قدمها أخيرا حول كيفية الخروج من الأزمة المالية العالمية تتوافق في الأساس مع التصور الذي ستنعقد تحت مظلته قمة لندن.
في رأيي كذلك أن السياسة المصرفية الحصيفة التي انتهجتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لفترة طويلة من الزمن، وبالتحديد خلال العقود الستة الماضية، التي اتسمت بالاتزان والتعقل، يمكن لها أن تتخذ كمرجع وكمثال يحتذى بهما في قمة العشرين اللندنية، لكونها استطاعن خلال تلك الفترة، إيجاد نظام مالي ومصرفي سليم ومستقر، يتمتع بكفاءة وبقوة مالية قوية وسيولة كافية لتمويل النشاط الاقتصادي، ولا سيما أن ما قد يسهم بفاعلية في تحقيق ذلك الوضع المالي المتميز للقطاع المصرفي السعودي وضع الأنظمة والإجراءات الرقابية والاحترازية الفاعلة، التي تزامنت مع الأحداث والمستجدات والمتغيرات، الأمر الذي يفتقر إليه العديد من دول العالم، بما في ذلك دول العالم المتقدم، ما تسبب في حدوث الأزمة المالية العالمية.
لعل أيضاً من بين أهم الأسباب، التي في رأيي ينبغي لقمة العشرين، أن تتبنى تطبيق السياستين المصرفية والنقدية السعوديتين، كنموذجين رائعين يحتذى بهما لضبط إيقاع أسواق النقد العالمية، بما في ذلك أسواق المال والمصارف العالمية، ما اتخذته وقامت به "ساما" أخيراً من خطوات وإجراءات احترازية للتعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، بهدف تجنيب المصارف السعودية آثارها وتداعياتها المباشرة، التي تمثلت في التالي: (1) خفض نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع تحت الطلب إلى 7 في المائة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 مقابل 13 في المائة في شهر أيلول (سبتمبر) من العام نفسه. (2) خفض معدل اتفاقيات إعادة الشراء من مستواه السابق، البالغ 5.50 في المائة تدريجياً إلى 2.50 في المائة في شهر أيلول (سبتمبر) 2008، وكذلك تخفيض معدل إعادة الشراء المعاكس من 2 في المائة إلى 1.50 في المائة. (3) خفض تسعيرة أذونات الخزينة بواقع خمسين نقطة أساس دون سعر فائدة الإيداع ما بين البنوك SIBID، وكذلك تحديد سقف الإصدار في أذونات الخزانة إلى 3000 مليون ريال أسبوعياً بعد أن كان حجم الإصدار غير محدد. (4) قيام "ساما" بإنشاء ودائع في السوق النقدي المحلي Money Market، وذلك بهدف تعزيز السيولة ليس فقط بالعملة المحلية بل كذلك بالدولار. (5) قيام "ساما" بتعزيز وضع السيولة بالنظام المصرفي عن طريق إنشاء ودائع زمنية مع المصارف المحلية ولمدة طويلة نسبياً نيابة عن الهيئات والمؤسسات الحكومية. (6) إجراء عمليات مقايضة النقد الأجنبي Foreign Exchange Swaps، خلال الربع الرابع من عام 2008، مع البنوك المحلية ولعدة مرات، وذلك بهدف توفير السيولة اللازمة (الدولار الأمريكي) للنظام المصرفي السعودي، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي