إدارة التعافي بمساراته المتباعدة «3 من 3»
وإذ يتم إلغاء التدابير الاستثنائية كإرجاء مدفوعات سداد القروض، يمكن أن ترتفع حالات عجز الشركات عن السداد ارتفاعا حادا وتصبح وظيفة من كل عشر وظائف معرضة للخطر في كثير من الدول. وللحد من الضرر طويل الأجل، ينبغي أن تنظر الدول في تحويل دعم السيولة السابق "القروض" إلى تمويل شبيه برأس المال للشركات التي تمتلك مقومات البقاء، مع وضع أطر لإعادة الهيكلة خارج المحاكم بغية التعجيل بإجراءات الإفلاس في نهاية المطاف. وينبغي أيضا تكريس الموارد لمساعدة الأطفال على تعويض ما ضاع من وقت التعلم أثناء الجائحة.
وبمجرد زوال الأزمة الصحية، يمكن أن تركز جهود السياسات على بناء اقتصادات أكثر صلابة واحتوائية وخضرة، سواء لتعزيز التعافي أو لزيادة الناتج الممكن. وينبغي أن تتضمن الأولويات الاستثمار في البنية التحتية الخضراء للمساعدة على تخفيف حدة تغير المناخ، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية لزيادة الطاقة الإنتاجية، وتعزيز المساعدات الاجتماعية للحد من عدم المساواة المتزايد.
وسيكون تمويل هذه المجهودات أكثر صعوبة على الاقتصادات ذات الحيز المالي المحدود. وفي مثل هذه الحالات، سيكون من الضروري تحسين الطاقة الضريبية، وزيادة تصاعدية الضرائب "على الدخل والعقارات والتركات"، وتطبيق تسعير الكربون، وإلغاء النفقات المهدرة للموارد. وينبغي لكل الدول أن ترسي سياساتها على ركيزة من الأطر الموثوقة للمدى المتوسط والالتزام بأعلى معايير شفافية الديون، للمساعدة على احتواء تكاليف الاقتراض وصولا في نهاية المطاف إلى تخفيض الدين وإعادة بناء هوامش أمان للمستقبل.
أما على الساحة الدولية، فتتمثل الأولوية في تعاون الدول لضمان تغطية اللقاحات للجميع. وبينما ستصل بعض الدول إلى مستوى انتشار عمليات التلقيح بحلول صيف هذا العام، فمن المرجح أن تضطر أغلبية من الدول، خاصة ذات الدخل المنخفض، إلى الانتظار حتى نهاية 2022. وسيتطلب التعجيل بعمليات التطعيم تكثيف إنتاج اللقاح وتوزيعه، وتجنب وضع قيود على الصادرات، وتمويل آلية كوفاكس التي يعتمد عليها كثير من الدول منخفضة الدخل في الحصول على الجرعات، وضمان التحويل العادل للجرعات الزائدة على مستوى العالم.
كذلك ينبغي أن يستمر صناع السياسات في ضمان إتاحة القدر الكافي من السيولة الدولية. وعلى البنوك المركزية الكبرى أن تقدم إرشادات واضحة بشأن الإجراءات المستقبلية مع إتاحة وقت كاف للاستعداد، لتجنب تكرار أحداث من نوع نوبات الاضطراب التي وقعت في 2013. وستستفيد الدول منخفضة الدخل من إعادة تمديد فترة تأجيل مدفوعات الديون في ظل مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين وتفعيل الإطار المشترك لمجموعة العشرين من أجل إعادة هيكلة الديون على نحو منظم. وسيتيح توزيع مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة التي يصدرها الصندوق توفير الحماية اللازمة للسيولة في فترات ارتفاع عدم اليقين.
حتى في الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار إلى الجائحة، من الضروري تحقيق تقدم في تسوية التوترات التجارية والتكنولوجية. وينبغي للدول أن تتعاون أيضا بشأن تخفيف تغير المناخ، وتحديث ضرائب الشركات الدولية، وتدابير الحد من نقل الأرباح عبر الحدود، والتهرب والتحايل الضريبيين.
لقد شهدنا على مدار العام الماضي عديدا من الابتكارات المهمة في السياسة الاقتصادية وقمنا بزيادة الدعم بصورة مكثفة على المستوى الوطني، ولا سيما بين الاقتصادات المتقدمة التي تمتلك السعة المالية اللازمة لهذه المبادرات. والآن، هناك حاجة إلى جهد طموح آخر على المستوى متعدد الأطراف لتأمين التعافي والبناء من أجل مستقبل أفضل. وبغير جهود إضافية لإعطاء الجميع فرصة عادلة، يمكن أن يحدث اتساع كبير في فجوات المستويات المعيشية بين الدول وتضيع عقود من التقدم نحو تخفيض الفقر العالمي.