مشاريع السيارات المستقلة والتوقف المحتمل
في البداية لا بد من التفرقة بين السيارات ذاتية القيادة self-driving car والسيارات المستقلة autonomous car، إذ تتطلب السيارة ذاتية القيادة تدخلا بشريا في بعض حالاتها أو تقتضي وجود السائق في مقصورة القيادة. أما السيارة المستقلة فهي مستقلة تماما عن أي تدخل بشري ولا تستلزم وجود سائق خلف مقود المركبة. ولإعطاء تصور عن مدى تعقيد السيارات المستقلة وتكلفة مشاريع البحث والتطوير المتعلقة بها، فإن مراحل النضج أو الجاهزية للوصول لمستوى كامل من استقلالية السيارات يجب أن تتخطى ستة مستويات. في المستوى الأساسي الذي تندرج معظم السيارات تحت هذه الفئة، فإن السائق يتحكم بشكل مطلق في قيادة المركبة وتفتقر المركبة إلى أي تقنيات مساعدة في التحكم بها آليا. أما المستويان الأول والثاني فتزود المركبات بخصائص مساعدة على التحكم بالقيادة كالتحكم بسرعة المركبة أو بتوجيه المقود. في المستوى الثالث الذي يتضمن نقلة نوعية من حيث عدد التقنيات المضافة والخصائص المعقدة، تتميز السيارات من المستوى الثالث بتحديد الظروف المحيطة بالمركبة واستشعارها كازدحام الطريق أو الوقوف المفاجئ للسيارات المجاورة والاستجابة السريعة والآلية للتعامل مع متغيرات الطريق. ومن الأمثلة على تلك الفئة، سيارات "أودي" والمصنعة من قبل شركة "فولكسفاجن"، حيث أطلقت "فولكسفاجن" سيارتها الأولى والمزودة بنظام Traffic Jam Pilot عام 2019 في السوق الأوروبية فقط، بينما لم تسمح الأنظمة في الولايات المتحدة باستقبال هذا النوع من السيارات ذاتية القيادة على أراضيها. وبأخذ التقنية إلى مستوى أكثر تعقيدا، تأتي سيارات المستوى الرابع الذي أطلق منها في الأسواق حتى الآن سيارة الأجرة التشاركية Waymo والمطورة من قبل شركة جوجل وسيارة Navya الفرنسية التي أطلقت في السوق الأمريكية أيضا وتعمل بالطاقة الكهربائية وبسرعة لا تتجاوز الـ 50 كلم في الساعة. حيث تسير المركبة باستقلالية تامة ودون ظهور سائق خلف المقود. على أي حال، يسمح هذا النوع من المركبات بتدخل بشري طفيف في الحالات الطارئة وغير المتوقعة. أما المستوى الخامس والأكثر تعقيدا فيمثل المركبات كاملة الاستقلالية وغير المزودة بمقود للقيادة أو حتى دواسات للمكابح أو السرعة. عند الوصول إلى هذا المستوى فذلك يعني أن التدخل البشري غير وارد تماما. ولا تزال تلك المركبات في مرحلة التطوير من قبل المصنعين ولم تطلق بعد في الأسواق.
في عام 2019 وقع عملاقا مصنعي سيارات "مرسيدس بنز" و "بي إم دبليو" اتفاقية تحالف تقني لتطوير سيارات مستقلة القيادة للاستفادة من خبرات الشركتين وتضافر جهودهم لخدمة هذا التوجه الاستراتيجي. إلا أن تلك الشراكة لم تلبث إلا ما يزيد على العام لتعلن الشركتان إلغاء تلك الشراكة في العام المنصرم وإيقاف الاستثمار في السيارات المستقلة. لم تدل الشركتان بتصريح حول سبب الإلغاء، لكن قد يكون السبب الأبرز هو ارتفاع تكلفة المشروع وعدم اليقين بنجاحه. كما أن تداعيات كوفيد - 19 قد تكون أحد الأسباب وراء هذا الإلغاء. إن إحجام كبار مصنعي السيارات عن مشاريع المركبات المستقلة قد يعزى لارتفاع التكاليف الباهظة المتعلقة بالبحث والتطوير، ومستوى المخاطرة العالية في النجاح للوصول إلى المستوى الرابع من السيارات المستقلة، إضافة إلى الأنظمة والتشريعات في الدول التي قد لا تسمح بإطلاق تلك المركبات إلا وفق اشتراطات صارمة ومتطلبات اختبارات معقدة. ويبقى السؤال، هل سيتجه كبار مصنعي السيارات مجددا لتبني مشاريع السيارة المستقلة؟.