سقف التوقعات وتأثيره في قراراتنا
اتخاذ القرارات عملية نمارسها في حياتنا اليومية تمكننا من انتقاء الأمثل والأنسب من بين مجموعة من البدائل. قد تراوح هذه القرارات بين أمور حياتية روتينية نتخذها بكل عفوية كأي طريق نسلكه أو من أي متجر نتسوق، وقرارات يمتد أثرها على متخذها لأعوام عديدة كشراء منزل أو استثمار في مشروع يكلف الملايين من الريالات. إن من العوامل المعينة على اتخاذ قرارات رشيدة هو توافر المعلومات الصحيحة وإدراك الظروف المحيطة بتلك القرارات. ومن ذلك الإدراك، قدرتنا على تقييم أنفسنا ومعرفة مكامن الضعف أو القوة لدينا، خصوصا عندما يتعلق القرار بأنفسنا ومهاراتنا بشكل مباشر.
في عام 2000 اختير مات هارينجتون لاعب البيسبول الأمريكي كأحد أفضل لاعبي الدوري الأمريكي في عمر لا يتجاوز 18 عاما. وقد عين هارينجتون وكيل أعمال خاصا به ليتفاوض مع فرق البيسبول التي ترغب في التعاقد معه. اقترح وكيل أعماله مكافأة عن العام الأول بقيمة خمسة ملايين دولار تقريبا لهارينجتون. بالطبع قوبل المقترح بالرفض وقدموا له عرضا بقيمة خمسة ملايين تنقص 100 ألف دولار لمدة ثمانية أعوام فرفض هارينجتون أيضا هذا العرض البديل. لقد وضع اللاعب سقفا عاليا لتوقعاته وتقييمه لمهاراته وقيمته كلاعب محترف في الدوري حتى استمر ترتيبه في التراجع بين محترفي الدوري من المرتبة السابعة حتى الـ 85 لعدم مشاركته في أي بطولة خلال ذلك العام. استمرت العروض المقدمة له في الهبوط لتصل في عام 2002 إلى 100 ألف دولار فقط، وبالتأكيد رفض ذلك العرض. بعد عامين فحسب، ومع استمراره في عدم التنازل ليصل إلى اتفاقية مرضية للطرفين، لم يجد أي فريق يقدم له عرضا للتعاقد. هذه النهاية التراجيدية تعكس حجم الفرص الهائلة التي فقدها اللاعب هارينجتون والقرارات الخاطئة التي اتخذها بسبب مبالغته في تقييم قيمته كلاعب وارتفاع سقف توقعاته.
من الأمثلة الأخرى التي نعايشها بشكل متكرر تتمثل في تقييم خياراتنا عند الانتقال من جهة عمل إلى أخرى. قد يبني بعضنا توقعات قد تصل إلى حد الوهم عن قدراته وكفاءته مستندا إلى معايير غير واضحة أو منجزات متواضعة أو تصورات غير دقيقة، رافعا سقف توقعاته عاليا أو طالبا مكانا لا يتناسب مع قدراته. لذلك ينصح بالاستشارة عند اختيار البدائل أو اتخاذ القرارات التي لا نستطيع الخروج منها بقرار واضح. إن الاستعانة بشخص ليرى من زاوية مختلفة وليعطي رأيه أو تصوره بموضوعية وحياد سيحسن من جودة قراراتنا بكل تأكيد.
مرة أخرى، إن الاتزان في تقييم توقعاتنا ضروري لاتخاذ قرارات صحيحة، ولا يعني مطلقا ألا نطمح إلى الأفضل أو العمل على تحقيق أفضل ما يمكننا تحقيقه. إن نقص المعلومات الصحيحة أو التقييم الدقيق لأنفسنا أو للبيئة من حولنا عند اختيار البدائل قد تنتهي بنا إلى حالات من الأسف والندم على القرارات التي نتخذها. لذلك لتكن خياراتنا أكثر شمولية وواقعية ونقيمها على هذا الاعتبار حتى لا نتفاجأ بما لم يرد في الحسبان.