يجوز أم لا يجوز يا جمعية حقوق الإنسان؟!
اضطررت أمس الأول إلى البحث عن الموقع الإلكتروني الخاص بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان محاولاً الوصول إلى أي من مسؤوليها للتأكد من صحة خبر نشرته صحيفة "عكاظ" في اليوم نفسه انتقدت من خلاله الجمعية وجود لائحة لضرب الأحداث داخل دار الملاحظة الاجتماعية في جدة.
فقد ذكر الخبر أن وفدا من الجمعية اطلع على لائحة تبيح استخدام الضرب كوسيلة للعقوبة، لدى زيارته دار الملاحظة. كما ذكرت الصحيفة على لسان رئيس الوفد أن الجمعية ستدرس اللائحة بتأن، وتقارنها بغيرها من اللوائح المعمول بها في دول أخرى، للتعرف على مدى تناسبها للمعمول به في عقوبة الجلد, مشيراً إلى أن الجمعية ستدرس أيضا ملاحظات رصدتها خلال الزيارة وشملت حرمان منسوبي الدار من الاتصال بذويهم، طول إجراءات التقاضي لمدة تزيد على سنة، والحرمان من استخدام دورات المياه لقضاء الحاجة, وسوء النظافة داخل مطعم الدار، الأساليب والحرمان من الزيارة وقدم الأثاث الذي ينام عليه نزلاء الدار. وقد بين مدير فرع جمعية حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة أن بعض النزلاء كشفوا للوفد عن تعرضهم لبعض التجاوزات مثل الضرب خلال مراحل الاستدلال، حيث "يستغل جهلهم بالأنظمة والقوانين لأخذ الاعترافات دون تعريفهم بحقوقهم التي يمكن استخدامها لحماية حقوقهم، إضافة إلى عدم الاستماع إلى أقوالهم أثناء مراحل المحاكمة".
والحق أقول لكم إنني وبعد أن وقفت مندهشاً أمام هذا الخبر ومتسائلاً عن مدى معقولية وجود لائحة تشرعن ضرب نزلاء دار الملاحظة, لم أستطع التوصل إلى إجابة شافية, فالرقم الهاتفي الموجود في موقع الجمعية الإلكتروني لم يرد عليه سوى جهاز الرد الآلي طالباً إدخال رقم التحويلة المطلوبة والانتظار دون جدوى!
وأنا ألتمس العذر لمنسوبي الجمعية فربما كان وقت اتصالي خارج أوقات دوامهم الرسمي, لكنني لا ألتمس لهم عذراً أبداً في مسألة تقبلهم براحة ضمير قضية وجود تلك اللائحة, بل دراستها أيضاً لمقارنتها بلوائح أخرى تنتهك إنسانية الفرد وتعتدي عليه جسدياً في أماكن أخرى!
تقول المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة", وهذا أمر بديهي ولا يحتاج إلى أن نتأكد من أن هناك من يخالفه لنشرعن لأنفسنا مخالفته أيضاً.. فقد كرّم الله الإنسان قبل أن يكرّمه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وقد حرم الاعتداء عليه جسدياً إلا تنفيذاً لحد أو حكم شرعي, وهذا أمر تختص به المؤسسة القضائية لا مشرفو دور الملاحظة, وأنا مازلت حتى الآن متشوقاً لسماع مبررات الجمعية لمسألة عدم استنكارها مثل هذا الأمر.
ولا أنسى أن أشير إلى أنني وقعت أثناء تصفحي موقع الجمعية الإلكتروني في مسودة مشروع نظام مرضى (الإيدز) الذي تعتزم الجمعية إقراره.. وقد ضربت كفاً بالأخرى (محوقلاً) عندما وجدت في مادته الخامسة ما نصه: "يجوز عزل المصاب بفيروس الإيدز أو تحديد إقامته في منشأة صحية إذا كان يشكل خطراً على غيره بناءً على توصية من لجنة طبية مختصة يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير الصحة ..إلخ", هذا طبعاً في الوقت الذي تنادي فيه كل الجهات والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان في العالم بالتعامل مع مرضى الإيدز كمرضى يستحقون العلاج لا مجرمين يجب عزلهم, خصوصاً أن مرضاً كهذا لا ينتقل عن طريق الهواء ولا يشكل خطراً على الناس في الطرقات!