تصرف كأن العالم يراقبك

هرع ليشتري لها باقة كبيرة من الورد، وتسابقت لتستقبله بأعذب الابتسامات وأجمل الكلمات, أرسل الآخر لخطيبته هدية في صندوق كبير ملفوف بشريط حرير، فشكرته ببطاقة جميلة رشت عليها العطر وكتبت أبياتا من الشعر, كانا في أيام علاقتهما الأولى. وبحجم فرحي لكل من يتوجان قصتهما بدخول العش الحياة الزوجية يكون حزني حين أرى الإهمال ينشب أظفاره في أرجاء العش والغبار يعلو جدرانه, ولهذا فكم حفز ذلك المشهد عديدا من الأفكار لتدور في ذهني, لكنها تأملات من نوع آخر.
لنتشارك جميعا في التفكير: في الأيام الأولى لعلاقتنا بشريك الحياة نبذل قصارى جهدنا كي ننال إعجابه, هل ما زلت تتذكر دماثتك ورقة تصرفاتك؟ وهل ما زلت تستحضرين تلك الابتسامة الناعمة التي كانت تلازم محياك وذلك الحنان الذي كان يشع من نبراتك؟ كنا نحرص على الإبهار بمعناه السطحي والجوهري, فلم تكن حينها ترسم فقط ابتسامة على وجهك أو تتفنن في اختيار ملابسك, لكنك تسعى في كل مناسبة إلى تقديم نفسك بأكثر طريقة إيجابية ممكنة لشريكك.
كيف تقدر الآن درجة حرصك على الإبهار؟ أرجو أن تكون النسبة عالية وأن تكون أحوالك بخير, فأغلبنا لم يعد يهتم بالقيام بأفضل سلوكياته مع شريك حياته, فلقد انتهت مرحلة الإبهار وتشكلت علاقة نمطية روتينية مع مرور السنوات, والمشكلة سببها ركوننا إلى الاسترخاء بعد شعورنا بامتلاك العلاقة, ما يدفعنا إلى عدم الاكتراث بتقديم الأفضل والأجمل كما في البدايات.
المفارقة الغريبة أننا على الأرجح ننتهج سلوكيات أرقى في علاقاتنا الأخرى الأقل أهمية, فلن يتجاهل أحدنا إلقاء التحية على زملائه في العمل أو التقطيب في وجه مديره, أو التشاجر مع الآخرين في غداء عمل والصراخ في وجه أحدهم, لكننا نفجر ضغوطنا الخارجية في وجه شريك الحياة لاعتقادنا بأحقيتنا لذلك, مع أن السلوك الحقيقي الذي تظهره لشريك حياتك خلف الأبواب المغلقة هو الدليل الأقوى على جودة معدنك وعمق شخصيتك, فما رأيك أن تعقد العزم على أن تجدد من علاقتك الزوجية وتسترجع رومانسيتك في شهر العسل, وأن تتصرف خلف أبوابك المغلقة وكأن العالم كله يراقبك وكل ما ستقوله وتفعله مع زوجتك سيذاع في نشرة الأخبار, إن قررت ذلك فستبدأ بالالتزام بسلوك راق يخلق علاقة ناضجة تصبح ملاذك الآمن في شراسة الحياة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي