قمة العشرين

ولي العهد يطمئن العالم .. وقمة الرياض قصة تستحق أن تروى

ولي العهد يطمئن العالم .. وقمة الرياض قصة تستحق أن تروى

الأمير محمد بن سلمان.

بجملة من أربع كلمات، اختصر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عزم السعوديين على مساعدة كل من يعيش على كوكب الأرض، والانتصار للإنسان في مواجهته المصيرية أمام كورونا، حينما قال خلال ترؤسه الجلسة الأخيرة في اليوم الثاني لقمة الرياض "قوتنا تكمن في وحدتنا".
كان ينتظر العالم رسالة اطمئنان وأمل من قمة مجموعة العشرين، في مواجهته الصعبة والمكلفة للوباء، فوجد تطمينا في حديث ولي العهد، حينما أكد على دعم الجهود الدولية المتعلقة بتوفير لقاحات وعلاجات فيروس كورونا المستجد للجميع "بشكل عادل، وبتكلفة ميسورة، بمجرد توافرها".
لقد قادت المملكة بنجاح دفة العالم في تحديد مسؤولياته وأولوياته، وصممت خريطة طريق تستشرف آفاق المستقبل، وتحقق الازدهار للشعوب، وضعتها في عام استثنائي، ورئاسة استثنائية، يقف خلفها الأمير محمد بن سلمان، الذي بدا حريصا ومتابعا لكل صغيرة وكبيرة في القمة، منذ اللحظات الأولى لتسلم المملكة الرئاسة، وحتى الثواني الأخيرة من مسك الختام.

قمة .. ونجاح
بسواعد وعقول سعودية، طوت المملكة صفحة أخرى مضيئة في سجل إنجازاتها، وسطرت إنجازا جديدا يضاف إلى قمة مجموعة العشرين، فقد جعل السعوديون كلمة (قمة) مرادفة للنجاح، من خلال القمم الإقليمية والدولية التي تستضيفها، بدءا من قمة دول مجلس التعاون الخليجي، ثم القمة العربية، والقمم الإسلامية، والعربية الإسلامية، وصولا إلى قمة مجموعة العشرين، كأول دول عربية تستضيف هذه القمة.
فالسعوديون يفخرون اليوم بما تحقق خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، التي نادت باغتنام فرص القرن الـ21، ومواجهة التحديات، وانتصرت للإنسانية، بابتكار مبادرات ومنجزات نالت احترام العالم.
آمن ولي العهد بضرورة العمل الجماعي من خلال أقوى 20 اقتصادا عالميا، تمثل مجموعة العشرين، التي تشكل، منذ تأسيسها، رابطا جوهريا بين الدول، وأكدت أهمية دورها طوال هذه الأعوام في التعامل مع القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية.
وعلى امتداد عام رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، كرست جهودها لبناء عالم أقوى وأكثر متانة واستدامة، ويتوازى ذلك مع ما تشهده المملكة من تحول اقتصادي واجتماعي كبير، مسترشدين فيه برؤية المملكة 2030، التي تتقاطع في محاورها مع محاور قمة العشرين، تشمل: تمكين الإنسان، حماية كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة.
في كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي كانت في ختام قمة القادة أمس الأول، غلب عليها الحديث عن الإنسان ونضاله للبقاء قويا في وجه جائحة كورونا، التي لم تعترف بالحدود، ووصلت إلى جميع الدول وأثرت بشكل مباشر وغير مباشر في كل إنسان يعيش في هذا الكوكب، الأمر الذي استوجب تفعيلا للدور المحوري الذي تلعبه مجموعة العشرين، ومن أجل ذلك اجتمع قادة المجموعة مرتين خلال رئاسة واحدة لمجموعة العشرين في سابقة هي الأولى منذ تأسيس المجموعة.

إجراءات سريعة حماية للاقتصاد العالمي
منذ ذلك الوقت المبكر، في آذار (مارس) الماضي، بدأت المملكة وشركاؤها في دول مجموعة العشرين في وضع خطط لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد - 19) وتبعاته المؤثرة، صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وعقدت قمة استثنائية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، رئيس قمة العشرين لعام 2020.
وتناولت محاور القمة مجموعة من الأهداف هي: حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو ودعم وتيرة التعافي القوي، إلى جانب تقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدة لجميع الدول التي بحاجة إلى المساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية.
ولخص ولي العهد أهم الإجراءات المتخذة لدعم الاقتصاد العالمي، مثل تعهد دول المجموعة بأكثر من 21 مليار دولار لتلبية احتياجات التمويل الفورية، وتحديدا لتطوير الأدوات التشخيصية واللقاحات والعلاجات الفعالة، وأسهمت المملكة بـ500 مليون دولار لدعم هذه الجهود، كما اتخذت تدابير استثنائية لدعم اقتصادات المجموعة وشعوبها، كجزء من خطة عمل مجموعة العشرين هذا العام.
ولم تكن تلك الخطوات كافية، بل زادت عليها المجموعة ضخ ما يزيد على 11 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي لدعم الشركات وحماية سبل العيش للأفراد، ويعد ذلك إسهاما غير مسبوق من قبل مجموعة العشرين، على حد تعبيره، كما تم توسيع شبكات الحماية الاجتماعية لحماية أولئك المعرضين لفقدان وظائفهم ومصادر دخلهم.

14 مليار دولار ديون مؤجلة على البلدان النامية
تمكنت المملكة من توجيه دفة العالم نحو البلدان الأكثر عرضة للخطر في العالم، فقدمت دعما طارئا لها، بعد أن هددت الجائحة بإهدار عقود من التقدم التنموي المحرز فيها.
أبرز ما تم تقديمه للدول مبادرة تعليق خدمة الديون، ووفرت ما يزيد على 14 مليار دولار لتخفيف أعباء الديون على البلدان الأكثر عرضة للخطر، التي يزيد عدد سكانها عن مليار شخص، كما تم تمديد هذه المبادرة وسيستمر القادة في تقييم الأوضاع لمعرفة ما إذا كان هناك ما يستلزم التمديد مرة أخرى.
إضافة إلى ذلك، تم توفير أكثر من 300 مليار دولار من خلال بنوك التنمية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تعمل مع مجموعة العشرين لمساعدة البلدان الناشئة والمنخفضة الدخل.
وعودة إلى مبادرة تأجيل الديون، فهي مبادرة تاريخية تحسب لرئاسة المملكة، بلغت حصة الدول العربية من هذه المبادرة لتعليق مدفوعات خدمة الدين نحو 600 مليار دولار، وذلك بحسب تصريحات صحافية لبندر الحمالي رئيس الفريق السعودي لمجموعة عمل الهيكل المالي الدولي، الذي أكد أن الهدف من المبادرة السماح لهذه الدول بالتوقف عن دفع ديونها مؤقتا للدول الداعمة الرئيسة في العالم، مع توجيه هذه الموارد لتطوير القطاعات الصحية وتخفيف الآثار الاقتصادية.
ويبلغ إجمالي الدول حول العالم التي استفادت من مبادرة تأجيل الديون، بحسب ما أوردته مجموعة العشرين على موقعها الرسمي، نحو 46 دولة، واستطاعت البلدان المستفيدة من مبادرة تأجيل مدفوعات الديون المستحقة، أن تدير أزمة كورونا ماليا، عبر زيادة الإنفاق المخصص لمواجهة تحديات الجائحة، وذلك بناء على البيانات الواردة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.


ولي العهد أعلنها: الإنسان أولا
كان الإنسان أهم ما يشغل ذهن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودعم جهود المملكة لعقد القمة الاستثنائية في آذار (مارس) الماضي، التي سعت إلى اتخاذ كل ما يلزم لحماية الأرواح وسبل العيش ومساندة الفئات الأكثر احتياجا.
أكدت المملكة دورها الريادي والمؤثر في العالم، ونالت إشادة قادة العشرين، بعد أن وضعت أسسا ومبادئ وجدول عمل، يضع الإنسان في المرتبة الأولى، سواء كان من أبناء مجموعة العشرين، أم خارجها.
فقد بادرت مجموعة العشرين - وعلى الفور - بتقديم الموارد اللازمة لمن هم في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا، واتفق القادة على عدم ادخار أي جهود لتهيئة الظروف للجميع للحصول على لقاحات وأدوات تشخيصية وعلاجات للفيروس المستجد بشكل عادل وميسور التكلفة، استكمالا لحديثهم في القمة الافتراضية، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، واتفقوا فيها على مشاركة المعلومات بصورة آنية وشفافة، وتبادل البيانات المتعلقة بعلم الأوبئة والبيانات السريرية، ومشاركة المواد اللازمة لإجراء البحوث والتطوير، وتعزيز الأنظمة الصحية العالمية.
نجحت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في تحقيق أسبقية ودور تاريخي في التعامل مع المخاطر المختلفة، وبرهن خطاب ولي العهد على أهمية التعاون المشترك، وتجسده مجموعة العشرين، التي تمثل القارات كافة، وتواجه التحديات الملحة بحلول فعالة، وقال فيه كلمته "إننا ندرك جيدا أهمية تحقيق حماية أفضل من الجوائح في المستقبل كما يتوجب علينا أخذ الدروس من هذه الأزمة، ولتحقيق ذلك فقد اقترحت رئاسة المملكة لمجموعة العشرين مبادرة تسهم في (الوصول إلى أدوات التصدي للجوائح)، وتسعى هذه المبادرة لتحقيق ثلاثة أهداف هي: تشجيع البحث والتطوير والتوزيع للأدوات التشخيصية والعلاجات واللقاحات لجميع الأمراض المعدية، وتشجيع وتسهيل التمويل الدولي للتأهب للجوائح العالمية، وكذلك دعم تدريب المختصين في الأوبئة بجميع أنحاء العالم".
وتابع "إن هذه الأزمات تذكرنا بإنسانيتنا وتستنهض فينا المبادرة والعطاء، وعلى الرغم من الشدائد المفاجئة التي صاحبت هذه الجائحة عالميا، لم نتوقف عن العمل على محاور جدول أعمال رئاسة المملكة والمتمثلة في: تمكين الإنسان، وحماية كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة. حيث أصبحت هذه المحاور الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى للتغلب على هذه الأزمة العالمية، وبناء تعاف شامل ومستدام، وتشكيل عالم أفضل للجميع".
وتأتي هذه المبادرة استكمالا لما أعلنه القادة في بيانهم الختامي للقمة الاستثنائية، التي تحمل مستقبل البشرية، عبر الالتزام بتقوية القدرات الوطنية والإقليمية والدولية للاستجابة للتفشي المحتمل للأمراض المعدية، من خلال رفع الإنفاق الخاص بجاهزية مواجهة الأوبئة، وذلك لرفع مستوى الحماية للجميع، خصوصا المجموعات الأكثر عرضة للمخاطر التي تتأثر بالأمراض المعدية بمعدلات أكبر.
ولم يكن حديث ولي العهد في خطابه إلا تأكيدا للالتزام بالعمل معا على زيادة التمويل للبحث والتطوير في مجال اللقاحات والأدوية، والاستفادة من التقنيات الرقمية وتعزيز إطار التعاون الدولي العلمي، وتعزيز مستوى التنسيق بين مجموعة العشرين، بما في ذلك مع القطاع الخاص، في سبيل تطوير وتصنيع وتوزيع الأدوات التشخيصية، والأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات بأقرب وقت مع الالتزام بأهداف الفعالية والسلامة والإنصاف والحصول والتكلفة الميسورة.

عالم أقوى وأكثر استدامة
عبر ولي العهد في خطابه خلال الجلسة الأخيرة لقمة القادة عن الحاجة إلى التعاون، وأهميته أكثر من أي وقت مضى، إذ إن التعامل معا مع هذا التحدي بجدية تستوجبها مسؤولية صون حياة الإنسان، وحماية سبل العيش، وتقليل الأضرار الناتجة عن هذه الجائحة، ورفع الجاهزية لمواجهة الأزمات المستقبلية - لا سمح الله.
فنجاح قمة العشرين برئاسة السعودية كان لاجتماع عدد من الأسباب، منها الإجراءات السريعة التي اتخذتها الدول بعد اجتماعها الاستثنائي في آذار (مارس) الماضي لمواجهة جائحة كورونا، ودعم للاقتصاد والوظائف من خلال مبادرة تأجيل الديون، وإجراءات غير مسبوقة وتدابير منسقة للتعامل مع الجائحة وتبعاتها، مثل ضخ الأموال دعما للاقتصاد العالمي.
وقد كرست رئاسة المملكة لمجموعة العشرين جهودها لبناء عالم أقوى وأكثر متانة واستدامة، ويتوازى ذلك مع ما تشهده المملكة من تحول اقتصادي واجتماعي كبير، مسترشدين فيه برؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى ضمان تمكن جميع مواطني دول العشرين، خاصة النساء والشباب، من اغتنام فرص القرن الـ21.
ففي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البشرية، ولم تشهد لها مثيلا، اتفق أعضاء مجموعة العشرين على عدد من المبادرات الحيوية التي من شأنها إرساء الأسس للتعافي العالمي، وسيستمر أثرها لعقود مقبلة، وقد لخصها ولي العهد في كلمته، ولعل أبرزها مبادرة الرياض التي تعنى بمستقبل منظمة التجارة العالمية، وتقديم الدعم اللازم لإصلاح المنظمة، وتمكين النساء والشباب من خلال توفير التعليم النوعي والشمول المالي، وحماية كوكب الأرض، واتفاق المجموعة على نهج الاقتصاد الدائري للكربون لتحسين إدارة انبعاثات الكربون في جميع قطاعات الاقتصاد، وضمان الوصول إلى طاقة أنظف وأكثر استدامة وأيسر تكلفة.
وفي سياق حديث ولي العهد عن منجزات القمة، تحدث عن إطلاق "مبادرة مجموعة العشرين للحد من تدهور الأراضي والحفاظ على الشعب المرجانية، وذلك لحماية النظم البيئية الأساسية والتنوع البيولوجي لكوكبنا، على الأرض وفي محيطاتنا، وكثفنا جهودنا الجماعية لضمان توفر المياه العذبة المدارة بأمان لكل شخص على وجه الأرض، مع مواجهة التحدي الرئيس المتمثل في ضمان الأمن الغذائي للجميع في وقت يتزايد فيه الطلب والضغوط البيئية".

اقتراح سعودي بقمتين سنويتين: افتراضية وحضورية
كان خطاب ولي العهد محط أنظار العالم، لمضامينه وتوقيته، واقتراحه الجوهري بضرورة اجتماع القادة مرتين سنويا، مرة افتراضية منتصف العام، والأخرى حضورية في نهاية العام، وذلك بعد نجاح القمة الاستثنائية في آذار (مارس) الماضي، فالعالم يستحق قمتين، لا واحدة.
اقتراح ولي العهد وجد صدى في الإعلام الدولي، الذي تبنى هذا الاقتراح، والذي ستنظر فيه إيطاليا، رئيس الدورة المقبلة، وقال في خطابه عن قمة الرياض "لقد كان تحديا استثنائيا وفي الوقت نفسه شرفا حقيقيا لنا أن نتولى رئاسة مجموعة العشرين خلال هذا العام الصعب، وكنا نأمل أن تنعقد هذه القمة حضوريا، في العاصمة الرياض التي تروي قصة وطن يعتز بتاريخه الطويل وبإنسانه الأصيل وبمستقبله المزدهر"، مضيفا "نختتم هذه القمة ونحن مصممون على اتخاذ التدابير ومواصلة العمل المشترك حتى نتغلب على الجائحة، ونبعث الأمل والطمأنينة لدولنا والعالم أجمع. ونحن فخورون بما أنجزناه هذا العام، ونعلم أنه ما زال أمامنا الكثير للقيام به، كما ستواصل المملكة تلبية النداء العالمي للتصدي لتحديات القرن الحادي والعشرين، جنبا إلى جنب مع أعضاء مجموعة العشرين".
مملكة الرحمة والإنسانية عبرت من خلال خطاب ولي العهد في قمة العشرين عن رسالة مهمة، جمعت بين الإنسانية والاستدامة، فالمحافظة على سلاسل الإمدادات وخطوط التجارة مع الاهتمام بشعوب الدول الأشد فقرا خطان متوازيان، يجب ألا يتوقف أحدهما، رغم ظروف الجائحة القوية، التي تهدد بتبعاتها السلبية نهضة العالم وتقدمه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من قمة العشرين