تكريم كبار السن ومنظمات المجتمع المدني

منذ أيام قلائل احتفل العالم باليوم العالمي لكبار السن، وهو الأول من أكتوبر، اليوم الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة كي يكون مناسبة سنوية عالمية يحتفي فيه العالم بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن. في هذا اليوم ناشدت الأمم المتحدة كل دول العالم الاحتفال بهذا اليوم من أجل تكريم وتقدير هذه الفئة السنية الغالية علينا جميعا، وتقدر الإحصاءات الدولية أن عدد كبار السن في العالم يقترب من 600 مليون نسمة، ونتوقع أن يرتفع العدد إلى ملياري نسمة بعد 50 عاما ونيف، ولا يختلف اثنان أن الشيخوخة مرحلة عمرية ترتبط بنهاية دورة حياة الإنسان، والإنسان بطبيعته البشرية يحب أن يجعل ختامها مسكا.
ورغم أن الأول من أكتوبر هو اليوم العالمي لكبار السن، إلا أنني لم أر المظاهر المطلوبة للاحتفال بكبار السن في أي مدينة من مدن المملكة، التي تليق بهذه الفئة، ولذلك أتمنى أن تنهض في المستقبل منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، أو المؤسسات المعنية بدعم تلاحم المجتمع السعودي بمهمة الاحتفال باليوم العالمي لكبار السن وتذكير الناس بما قامت به هذه الفئة من مساهمات في بناء هذا الوطن الحبيب.
ورغم ما يبدو بأن هذه الفئة السنية وصلت مرحلة كبيرة من العمر، إلا أن كبار السن يمكن أن يقوموا بأعمال جليلة تجاه المجتمع الذي عاشوا فيه وأسهموا في بنائه ونفذوا كثيرا من مشاريع التنمية والبناء، فلديهم من الخبرة والتجارب ما يجعلهم قادرين ـ بعد التقاعد ـ على الاضطلاع بكثير من الأعمال المفيدة للأجيال المقبلة.
وتاريخ كبار السن في المجتمع السعودي تاريخ حافل ومجيد، فكبار السن هم آباؤنا وأجدادنا وقرة أعيننا، هم من ضحوا وبنوا أركان بلادنا الغالية العزيزة، ولذلك يجب علينا أن نكافئهم بكل أنواع التكريم والتبجيل الذي يستحقونه جزاء ما أنجزوا وفعلوا من أعمال جليلة جعلت هذه المملكة دوحة مضيئة في بلاد أعزها الله - سبحانه وتعالى - بالأمن والخير والاستقرار والرخاء.
ولذلك يحتفظ تاريخ كبار السن في بلادنا الغالية بأنهم هم من بنوا مؤسسات الدولة التي نتفيأ ظلالها وعلى قواعدها نبني ونعمر ونعتمد رؤية السعودية 2030، التي ستنقل مملكة الخير إلى أعلى درجات النمو والازدهار والرخاء.
ومن منظور إسلامي بين القرآن الكريم مراحل حياة الفرد، وجعل الشيخوخة هي المرحلة الأخيرة من حياة الإنسان الدنيوية. قال تعالى: "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون". وورد في السنة النبوية الشريفة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عمر أمتي من ستين إلى سبعين سنة"، وما يقصده التشريع السماوي هنا هو أن الستيني جزء من حياة الإنسان المسلم الجدير بالرعاية والكفالة.
وأعتقد أننا لا نبالغ إذا قلنا: إن الموظف في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص دفع حياته وشبابه ثمنا لوظيفته، ولا ننسى أن الموظف أفنى ربيع عمره فداء لوظيفته، ولذلك حينما يحين وقت الاستراحة، فإننا يجب ألا نحرمه من الراحة، ونيسر أمامه سبل الحصول على أبسط الاحتياجات الضرورية للحياة الكريمة، وهما السكن الدافئ والعلاج الذي يحتاج إليه بعد أن تخطى سن العمل وبدأ سن التقاعد والشيخوخة.
إن أنظمة التأمين تقف ـ مع الأسف ـ ممن بلغ سن الشيخوخة موقف الرفض الكامل، فكل مواطن بلغ الـ60 عاما، فإنه يفقد أهم شرط من شروط التوقيع على بوليصة التأمين على الصحة أو التأمين على البيت أو التأمين على الحياة، وعليه أن يلقى مصيره المحزن مع ثلة من الأمراض التي ورثها في فترة قيامه بمهام الوظيفة، كما أن المواطن الذي بلغ الـ60 فإنه يفقد أهم شرط من شروط اللياقة النظامية المؤدية إلى الحصول على قرض لبناء مسكن أو شراء سيارة أو ثلاجة أو حتى دراجة، وهكذا فإن الإنسان بمجرد بلوغه سن الـ60 فإنه يقصى من المزايا الكريمة للإنسان الذي شرفه الله - سبحانه وتعالى - بخدمة أمته ومجتمعه.
إننا في يوم الاحتفال بكبار السن نذكر كل الجهات الحكومية وغير الحكومية أن ترعى كبار السن، وتمنحهم المساعدة والعون على أن يعيشوا حياة كريمة هنية نظير ما قدموا للوطن الغالي.
ولذلك كنا نتمنى من وزارة الموارد البشرية أن تبقى خيطا من العلاقات الإنسانية مع أبنائها المتقاعدين وتصمم مشروعا يعبر عن استمرار العلاقة الإنسانية والأخلاقية مع أبنائها، إما عن طريق إنشاء الأندية، أو تأسيس الجمعيات التعاونية، أو وضع تفاهمات مع البنوك وشركات التأمين تضمن - على الأقل - توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمتقاعدين، وبالذات الحياة المتعلقة بالسكن والتأمين على الصحة لمن بلغ سن الشيخوخة.
إن القصص المتنوعة والغريبة التي أصبحت تتزايد مع تزايد قوافل المتقاعدين تحتاج بقوة إلى البحث عن حلول. إن التأمين على الصحة هو أحوج ما يكون إليه الستيني قبل غيره من الذين لا يزالون ينعمون بربيع أعمارهم، وإن القروض لتأمين السكن هي أجمل هدية يجب أن نقدمها للستيني الذي خدم مجتمعه لنحو 40 عاما، وإن البيع بالتقسيط سياسة بيعية يجب أن تقدم مع الشكر الجزيل إلى الستيني قبل أن تقدم إلى العشريني أو الثلاثيني.
إننا جميعا يجب أن نتكفل بتيسير سبل الحياة أمام كبار السن الذين خدمونا وأناروا طريقنا، وأقل شيء يجب أن نفعله لهم هو الاحتفال باليوم العالمي لكبار السن في اليوم الأول من أكتوبر من كل عام، فهي مناسبة لتكريمهم وتقديم الوفاء لهم وهم في هذا العمر تقديرا لمسيرتهم الطويلة.

المزيد من الرأي