خرافة الأسلحة

أعظم شيء رأيناه في حرب غزة شتاء 2009 م أن عظيم الأسلحة وبطشها وقوة تدميرها لم تنفع إسرائيل، بل انقلبت عليها، ولسوف تموت مختنقة بالدرع كما روى توينبي عن دولة آشور واسبرطة.
ولكن لماذا يتسابق إلى شراء الأسلحة أو صناعتها جميع الحكومات علمانية ودينية وهي لا تزيد على شراء الأصنام وبتكلفة باهظة؟ يرتهن أصحابها للقوة وتدخل شعوبها في عجز الميزانية، فلا تضر ولا تنفع بل تضرنا وتنفع العدو.
إنها صناعة فات وقتها والحروب انتهت في العالم، وما يحدث من حروب ليست حروبا، وإنما هي خداع الكبار للمغفلين؛ فالكبار لا يستطيعون أن يتقاتلوا فيما بينهم، وهم يغلقون النادي النووي ويفككون بقايا خردة السلاح أو يبيعونها للمغفلين.
ومن لم يصدق فليتذكر حربي الخليج الأولى والثانية، إنهما كانتا نزاعاً بين الذين لم يفهموا طبيعة العصر من تعطل السلاح، وأن نصرهم وهزيمتهم بيد الكبار، فهم ينصرون طرفاً على طرف ولحسابهم أكثر من حساب الفائز، ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وإذا سقط الكبار فدون حرب وهجوم خارجي كما حصل للاتحاد السوفياتي. أو على العكس فمن أثبت نفسه أثبتها بغير حرب وسلاح  وإنما بالفكر والعقل كما ظهر ذلك في النموذجين الألماني والياباني.
وأوروبا تتحد اليوم دون نابليون وهتلر على كلمة سواء، وبشعارات مختلفة تماما، فألمانيا اليوم لا تنادي بأن ألمانيا فوق الجميع، بل ألمانيا مثل الجميع.
فهذا (خلق جديد) لا يقدر الذين ينتمون للعالم الإسلامي أن يهضموه. ومن فهم ذلك لم يبلغ إيمانه إلى درجة الجهر به والجرأة في إعلانه.
ولكن قوانين الله صارمة في إنزال العذاب الأليم على الذين لا يفهمون آياته. الحروب انتهت ولكن المغفلين في العالم الإسلامي لم يتفطنوا لهذا التحول التاريخي، والحرب اليوم هي ضد الجهل، وهذا لا يكون بالإكراه، بل بالعلم والإقناع والإعلان لحقائق الحياة الجديدة، التي أفرزت الديمقراطية في تجل أعظم بأنه لا عنف في السياسة.
وإذا كان هارون الرشيد قد أمر بهدم إيوان كسرى، وأمر المأمون بنقب الهرم، وتسلط أهل تونس أيام ابن خلدون على آثار قرطاجنة الرائعة فأقضوا مضجعها؛ فكله يدل على أن مفهوم الحفاظ على الآثار في المتاحف وتشجيع السياحة كلها من آثار تطور الفكر الإنساني وعصر التنوير وعندما مر المفسرون على كلمة (السياحة) في القرآن كانت مفاجأة لهم أن تمارس امرأة السياحة كميزة لزوجات النبي (مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات ... سائحات..) 
فلم يكن أمام المفسر القديم أن يستوعب انقلابا في التفكير من هذا الفولتاج العالي، في ظروف مناخ يقوم على الحرب والفحولة والاسترقاق ودونية المرأة، إلا أن يفسرها بـ (الصوم)، مذكِّراً بقصة الملا الكردي والثعبان والفأر.
في وسط الأكراد يسمى أستاذ الكتاتيب القديم بالملا وكان يقرأ نصاً بالعربية من كتاب فقهي (إذا وقعت الفأرة في السمن فخرجت (حيةً) يبقى السمن حلالاً) وهو عندما مر على كلمة (حية) تبادر إلى ذهنه أنها الثعبان فقام بترجمتها على ذلك، ولكن تلميذاً نبيهاً تفطن إلى هذا التحول السحري الأسطوري غير المعقول فقام يسأل: أيها الملا كيف خرجت ثعباناً ولم تكن سوى فأر؟
صرخ به الملا: اسكت أيها الفاسق إنها قدرة القادر.
ومغزى القصة أننا لا نراجع فهمنا للنصوص وعندنا استعداد أن ندخل الكون في تناقض، والطبيعة في اختلال، على أن نراجع فهمنا للحظة واحدة وما نفعله هو اتهام الآخرين بالهرطقة في لحظات الاختلاف في الرأي.
مع ذلك فالأمل في التغير قائم ولو بعد حين.
ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا، يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي