هل اقتصادنا بعيد عن الركود؟
لم يتبين حتى الآن أين يكمن قاع أخطر أزمة كساد يشهدها العالم. وفي ظل هذه التغيرات المتلاحقة والاضطرابات الاقتصادية المتصاعدة، ينبغي أن تكون لدينا لجنة طوارئ اقتصادية تستعد بسياسات مناسبة لأسوأ الاحتمالات. ومن المهم في الظروف الراهنة أن تتسم تصريحات المسؤولين عن اقتصادنا بالدقة والموضوعية. فمن غير المقبول الاستمرار في الادعاء أن كل شيء في اقتصادنا هو على خير ما يرام، وأن تأثير الأزمة العالمية على اقتصادنا محدودا! في الوقت الذي نعلم جميعنا أن اقتصادنا من أكثر اقتصادات العالم اعتمادا على غيره استيرادا وتصديرا.
إننا يمكن أن نفهم أن تكون لدينا احتياطيات مالية كافية لمواجهة المصاعب الحالية لبعض الوقت لكن ليس كل الوقت. ويمكن أن نفهم أن بعض أصولنا المالية في الخارج ما زالت سليمة! ونفهم أيضا أن تأثير الأزمة العالمية في اقتصادنا في الوقت الراهن أقل نسبيا من غيرنا، بيد أنه يصعب التسليم بأن هذا التأثير سيظل محدودا ونحن نشاهد استمرار تراجع أسعار النفط لنحو 40 دولارا للبرميل (وقد يصل إلى أقل من ذلك) وهو سعر يقربنا إن لم يكن قد وضعنا فعلا في المنطقة الحرجة بالنسبة لقدرتنا على تمويل وتنفيذ خطط الإنفاق الحكومي التي أعلن عنها في موازنة عام 2009م. دون أن نضطر لسحب مبالغ أكثر مما قدر لها من الاحتياطيات المتراكمة من فوائض السنوات القليلة الماضية.
ففي ظل هذه الأزمات الاقتصادية العنيفة التي تعصف بالأفراد والمؤسسات والاقتصاد، ينتظر المجتمع من المسؤولين الاقتصاديين أن يصارحوا الناس بالحقائق ليساعدوهم على اتخاذ القرارات التي تخصهم بأفضل طريقة ممكنة. أما الاستمرار في سياسة النفي والتطمين فإنه لا يساعد الناس ولا المؤسسات في الداخل على أخذ الحيطة والاستعداد المبكر لمواجهة التغيرات المتوقعة، بل من المؤكد أنه سيضر بهم وقد يدفعهم لاتخاذ قرارات خاطئة تجعل تكاليف إصلاحها أفدح ثمنا. أما إن كان الغرض من هذه التصريحات هو الإيحاء للأجانب بمتانة اقتصادنا، فقد أثبتت التجارب أن هؤلاء أدرى بحقيقة وضعنا منا، إذ إن لهم وسائلهم للحصول على المعلومات التي تدلهم على الحقيقة دون حاجة ماسة لتصريحات تطلق هنا أو هناك.
أعتقد أنه غدا مهما أن تكون تصريحات مسؤولينا متبوعة بمبررات موضوعية واضحة مستقاة من مؤشرات اقتصادية مبنية على إحصاءات دورية دقيقة. إن تراجع أسعار النفط، وأسعار البتروكيماويات، وانسحاب الشركاء الأجانب واحتمال تأجيل عدد من المشاريع الكبرى، كاف وحده ليشعرنا بجدية التحدي الاقتصادي الذي نواجهه.
لا ينبغي لنا التقليل من خطورة الكساد، كما قللنا سابقا من خطورة التضخم. فكلاهما خطران يجب التعامل معهما بجدية. بل ربما كان الكساد الذي ينشأ عن انكماش القطاع المالي أكثر خطورة لأنه يؤدي إلى تعطل التمويل. وإذا تعطل التمويل توقف الناس والمؤسسات عن الانخراط في المبادلات التجارية، تكدست البضائع لدى التجار واضطروا للاستغناء عن بعض العمالة، ثم تقل القوة الشرائية في المجتمع ويتراجع الطلب الكلي، ويدخل الاقتصاد في مرحلة ركود.
إن الإشكال في الكساد هو أن هبوط الأسعار لا يحدث جماعيا. فمثلا القيمة الاسمية للديون لا تتغير (وإن كانت قيمتها الحقيقية تزيد). فبينما يقلل التضخم قيمة الديون الحقيقية، يزيد الكساد من قيمتها. وتؤدي هذه الاضطرابات إلى مطالبة البنوك (وسواهم من مؤسسات الوساطة المالية) باسترداد قروضهم بسبب تدهور قيمة ما يملكونه من أصول، الأمر الذي يولد ضغوطا على المقترضين لبيع أصولهم التي انخفضت قيمتها، فيدفع ذلك الأسعار إلى مزيد من الانخفاض، ومن ثم تقل فرص التمويل أكثر، وتزداد حالات الإفلاس وانهيار البنوك.
علينا الاعتراف سريعا بالصعوبات المحتملة، وتكوين لجنة طوارئ اقتصادية تتابع التطورات وتكون مستعدة لاتخاذ إجراءات اقتصادية سريعة لو ساءت الظروف أكثر، وهو احتمال ما زال قائما بقوة. الاعتراف المبكر بالتحديات والاستعداد المسبق أسلم وأجدى لاقتصادنا من الإصرار على التصريحات الوردية البراقة.