استقالة "آبي" المفاجئة تربك المشهد الياباني وتهز الأسواق

استقالة "آبي" المفاجئة تربك المشهد الياباني وتهز الأسواق
استقالة "آبي" المفاجئة تربك المشهد الياباني وتهز الأسواق
استقالة "آبي" المفاجئة تربك المشهد الياباني وتهز الأسواق
استقالة "آبي" المفاجئة تربك المشهد الياباني وتهز الأسواق

يرى اقتصاديون أنه من غير المرجح أن تحدث استقالة رئيس وزراء اليابان شينزو آبي تغييرات في سياسة بنك اليابان.
وبحسب "الألمانية"، يعزو الاقتصاديون أحد الأسباب وراء عدم حدوث تغيير في سياسة بنك اليابان إلى أنه من غير المرجح أن يقوم محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا، المسؤول الأول عن سياسة التخفيف النقدي الهائلة، التي يتبعها البنك، بتقديم استقالته قبل انتهاء فترة ولايته، في نيسان (أبريل) 2023.
ويوضح الاقتصاديون أن انتشار وباء كورونا جعل من الصعب على البنك التفكير في التراجع عن شراء السندات أو رفع أسعار الفائدة، التي كانت في المنطقة السلبية لأعوام، حسبما أفادت وكالة "بلومبيرج" للأنباء.
ويقول الخبير الاقتصادي ماساميتشي أداتشي من شركة (يو.بي.إس) للأوراق المالية في طوكيو: "لن يكون هناك أي تأثير في السياسة النقدية".
ويضيف أداتشي: "إذا حدث تغيير بالفعل في السياسة، فهذا سيجعلك تعيد تقييم العلاقة بين بنك اليابان والحكومة"، مشددا على أنه من المرجح أن يقوم البنك بحماية استقلاليته.
وتولى شينزو آبي منصب رئيس الوزراء لأطول فترة في تاريخ اليابان، وقاد إصلاحات اقتصادية طموحة وتصدى لفضائح، لكن يبدو أن مشكلاته الصحية قد تمكنت منه مجددا، بحسب "الفرنسية".
أعلن آبي أمس عزمه على الاستقالة بسبب المرض، في قرار مفاجئ يذكر بالمشكلة الصحية، التي أجبرته على اختصار ولايته الأولى في 2007، بعد عام فقط على توليه المنصب.
وكان من المقرر أن يبقى في المنصب حتى أيلول (سبتمبر) 2021، موعد انتهاء فترة رئاسته للحزب، ما يسمح له بحضور مناسبة مهمة في ولايته التاريخية هي أولمبياد طوكيو 2020 الذي تم إرجاؤه.
وكان في فترة ما أصغر رئيس وزراء في تاريخ اليابان، وعد رمزا للتغيير والشباب عندما تولى مهام الحكومة في 2006، لكنه كان أيضا من الجيل الثالث لعائلة سياسية محافظة من النخبة.
ولايته الأولى كانت مضطربة، شهدت فضائح وخلافات وانتهت باستقالة مفاجئة.
وبعد أن قال في البدء إنه يتنحى لأسباب سياسية، أقر لاحقا بأنه يعاني مرضا تم تشخصيه، فيما بعد بالتهاب القولون التقرحي، وهو مرض يصيب الأمعاء.
وخضع للعلاج لأشهر، ولدى عودته للسلطة في 2012 قال إنه تغلب على المرض بمساعدة دواء جديد.
وولايته الثانية التي بات فيها رئيس الوزراء الذي بقي في المنصب أطول مدة في تاريخ اليابان، هيمنت عليها في الداخل استراتيجيته الاقتصادية، التي أطلق عليها "آبينوميكس"، وتجمع بين زيادة الميزانيات والليونة النقدية والإصلاحات الهيكلية.
لكن اقتصاد اليابان بدأ في التراجع حتى قبل أزمة فيروس كورونا المستجد، التي قضت على المكاسب المتبقية.
وعدت طريقة تعاطيه مع الأزمة بطيئة ومربكة، ما أدى إلى تراجع نسبة التأييد له إلى أدنى المستويات خلال فترة حكمه.
وجعل من أولوياته بناء علاقة شخصية وثيقة مع دونالد ترمب، سعيا للحفاظ على أهم تحالفات اليابان، رغم شعار "أمريكا أولا" الذي يرفعه الرئيس الأمريكي، وحاول إصلاح العلاقات مع روسيا والصين.
لكن هنا أيضا لا يخلو الأمر من تضارب. فترمب بحسب تقارير، لا يزال متحمسا لإجبار اليابان على دفع مبلغ أكبر للقوات الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
وخلال ولايته تصدى لفضائح سياسية ومن بينها اتهامات بالمحسوبية أدت إلى تراجع نسبة التأييد له، لكن لم تتمكن من المس بسلطته، لأسباب منها ضعف المعارضة السياسية في اليابان.
دخل آبي معترك السياسة بعدما عمل لعامين لدى مجموعة كوبي للفولاذ عقب تخرجه. وتمكن آبي من الوصول إلى رأس السلطة عام 2006 عندما كان في الـ52 من عمره، وبات رئيس الوزراء الياباني الأصغر سنا، إلا أنه ما لبث أن استقال بعد عام واحد لأسباب صحية.
وبعد فترة بقي فيها بمنأى عن السياسة عاد إلى الحكم، ليكون أشبه بمنقذ في كانون الأول (ديسمبر) 2012، بعد الحكم الكارثي لليسار بين 2009 و2012، وهي أعوام طبعها زلزال وتسونامي في آذار (مارس) 2011 أديا إلى الكارثة النووية في فوكوشيما.
وأعطى آبي أولوية للنهوض الاقتصادي معلنا عن الاستراتيجية الاقتصادية "آبينوميكس".
وسعى أيضا إلى زيادة معدل الولادات بجعل أماكن العمل أكثر مراعاة للآباء، خصوصا للأمهات، كما سعى لفرض ضريبة استهلاك مثيرة للجدل في 2019 تهدف للمساعدة في تمويل أماكن في دور الحضانة، للأطفال بعمر ثلاثة الأعوام وما دون، وكذلك للمساهمة في نظام الضمان الاجتماعي، الذي تجاوز طاقته.
وخطوة آبي للاستقالة لم تكن متوقعة ستطلق سباقا على القيادة في ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وقال آبي في مؤتمر صحافي بصوت هادئ وحزين "يجب ألا يأتي وقت لا أكون فيه قادرا على تحقيق نتائج". وأضاف "الآن وفيما لم أعد قادرا على إنجاز التفويض من الشعب بثقة، اتخذت قرارا بعدم البقاء في منصب رئيس الوزراء".
وقدم اعتذاره مجددا لاضطراره على اختصار فترة ولايته. وقال وهو ينحني "أود أن أعتذر بصدق لليابانيين لتركي منصبي قبل سنة من انتهاء ولايتي ووسط أزمة فيروس كورونا المستجد، فيما لا تزال مختلف السياسات في طور التطبيق".
قال آبي إنه سيقوم "بحزم بواجبي حتى النهاية" حتى تعيين رئيس الحكومة المقبل، وهي عملية يتوقع أن تتطلب تصويتا لاختيار القيادة الحزبية بمشاركة نواب وأعضاء الحزب.
وهزت أخبار الاستقالة أسواق المال. وصرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميجي في طوكيو، شينيشي نيشيكاوا إن الإعلان "كان مفاجأة كبيرة". وقال إن "استقالته تأتي في وقت تواجه اليابان قضايا صعبة من بينها تدابير الحد من فيروس كورونا المستجد". وأضاف "قد يحصل إرباك سياسي".
ومع ذلك، برزت بعض الأسماء المحتملة من بينها تارو آسو وزير المال، ويوشيهيدي سوجا، سكرتير الحكومة، وشيجيرو ايشيبا، وزير الدفاع، وفوميو كيشيدا، مسؤول السياسات في الحزب الليبرالي الديموقراطي.
ويعتقد أن كيشيدا هو الخيار الشخصي لآبي، فيما آسو يترأس أحد أقوى الكتل في الائتلاف الحكومي.
ومعظم الشخصيات المرجحة لخلافته لن تخالف سياساته على الأرجح.
وقرار آبي الاستقالة سيحمل مرارة مألوفة للرجل الذي أجبر على التنحي بعد عام فقط على تولي المنصب كرئيس الوزراء الأصغر سنا في تاريخ اليابان.
ومذاك أصبح رئيس الوزراء لأطول مدة، ليرتبط اسمه دوما بسياسات اقتصادية تهدف إلى إنعاش اقتصاد البلاد، أطلق عليها "آبينوميكس".
وقال إن إرثه قرار يتخذه الآخرون، لكنه أشار إلى جهوده لإحضار باراك أوباما إلى هيروشيما، ليصبح أول رئيس أمريكي في المنصب يزور موقع إلقاء القنبلة الذرية، عادا ذلك من بين الإنجازات الأكثر مفخرة له.
في الأشهر الماضية تراجعت نسب التأييد لآبي وسط انتقادات لتعاطيه مع الجائحة، ومن بين ذلك إلغاء قرارات بشأن خطة تحفيز وإجراءات قوبلت بسخرية لتوزيع كمامتين من القماش على كل منزل.
كما بدأت نتائج سياساته الاقتصادية في التراجع مع تسجيل الاقتصاد انكماشا في وقت سابق هذا العام، حتى قبل أزمة الفيروس.
وعبرت حكومات مختلفة عن الأسف لاستقالة آبي. ففي موسكو قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الكرملين يأسف للاستقالة، واصفا علاقات العمل بين آبي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها "رائعة".
كما أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أسفها لاستقالة آبي وقالت للصحافيين "أأسف لاستقالته وأتمنى له كل الخير... عملنا معا على خير وجه".
وأشاد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بسجل آبي وكتب على تويتر "شينزو آبي حقق أشياء عظيمة خلال رئاسة حكومة اليابان، لبلده وللعالم".
وأضاف "خلال قيادته، انتقلت العلاقة بين المملكة المتحدة واليابان من قوة إلى قوة في التجارة والدفاع وفي روابطنا الثقافية. شكرا لكل ما قدمته خلال أعوام الخدمة وأتمنى لكم الصحة".
وعبرت أيضا كوريا الجنوبية عن أسفها، وقالت إن آبي لعب دورا قويا في العلاقات الثنائية بين الدولتين. وأضاف المتحدث باسم البيت الأزرق الرئاسي كانج مين- سوك في بيان إن بلاده ستواصل التعاون مع قائد اليابان الجديد ومجلس الوزراء لتحسين العلاقات بين الدولتين بصورة أكبر.
وكسر آبي الإثنين الماضي رقما قياسيا لأطول فترة متتالية في منصب رئيس الوزراء، الذي كان يحمله عمه الأكبر إيساكو ساتو قبل نصف قرن.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2012، عاد آبي المحافظ رئيسا للوزراء لفترة ولاية ثانية نادرة متعهدا بإنعاش النمو بمزيج من سياسة نقدية يسيرة وإنفاق مالي وإصلاحات، كما تعهد بتعزيز دفاعات اليابان وكان يريد مراجعة دستور البلاد السلمي.

سمات

الأكثر قراءة