محمد علي كلاي خلال أدائه فريضة الحج في مطلع السبعينيات
“أنا أمريكا.. أنا الجزء الذي ترفضون الاعتراف به، ولكن تعودوا عليّ، أسود، واثقٌ من نفسي، مغرور، اسـمي ليـس اسمكم، وديني غير دينكم، وكذا أهدافي، ومن أنا..؟ تعـودوا عليّ”.
سواء أحبَّ الناسُ محمد علي أم لم يفعلوا، فقد ظلّ الوجه الذي يعرفه الجميع حول العالم. الرجل الشجاع، لا على حلبات الملاكمة وحسب، بل كانت شجاعته خارجها أيضًا، أفعالاً وأفكاراً وأقوالاً ومواقفاً.
“كاسيوس ماركوس كلاي” المعروف باسم محمد علي كلاي، المولود في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي الأمريكية عام 1942، لأسرة أفريقية أمريكية مسيحية بروتستانتية من الطبقة الوسطى، اعتنق الإسلام في عام 1964م، وغيّر اسمه إلى محمد علي، دون اسمه الأخير كلاي.
فاز باللقب العالمي في الوزن الثقيل وعمره 22 عاماً، وخاض 61 مباراة فاز في 37 منها بالضربة القاضية.
المتمرد:
“لن أسافر 10 آلاف ميل، بعيداً عن وطني، للمساعدة في قتل وحرق أمةٍ عاجزةٍ أخرى، لاستمرارِ سيادةِ البيض على المجتمع”.
ربما كانت هذه بداية تمرّده والتي كلفته كثيراً، لكنه عاد ليقف في ساحات النزال يدافع عن أفكاره ويدافع عن لقبه.
لم يكن حجًا وحسب:
في مطلع السبعينيات زار محمد علي كلاي المملكة لأداء فريضة الحج والعمرة، والتقى خلالها بالملك فيصل رحمه الله، والملك سلمان عندما كان أميراً للرياض آنذاك، وزار خلالها عدداً من المنشآت الرياضية والتاريخية.
وعلى الرغم من كونهِ مسلم، إلا أنه نطقَ بالشهادة مرةً أخرى في مكة، يقول المطوّف جميل سليمان جلال أنه هو من لقن بطل العالم السابق في الملاكمة محمد علي كلاي الشهادتين ويقو: “في عام 1391ه، طلب منه الأمير فيصل بن فهد –رحمه الله- الرئيس العام لرعاية الشباب وقتها؛ الحضور إلى مقر إقامته لتلقين الملاكم محمد علي كلاي الشهادة مرة أخرى”. وأضاف: “علمتُ كلاي كيفية لباس الإحرام وشرحت له كيفية العمرة وبعض الأدعية”.
داخل الحلبة:
في حلبةِ الملاكمة، كان محمد يحوّل اللعبة إلى بيانٍ سياسي. ففي مواجهته مع “إرني تريل” عام 1967 ناداه باسم كاسيوس كلاي. الاسم الذي كان يكرهه، ولا يريد من أي شخص مناداته به فحوّل محمد علي المباراة لجولة عقاب له، وأخذ يصرخ عليه “ما هو اسمي، عم توم” (عم توم: وصف مشين للسود الذين أصبحوا خدماً للبيض).
إنسانية عابرة للحدود:
زار كلاي العديد من الدول الإسلامية، وقام بالكثير من الأعمال الخيرية مارس العمل الخيري بعد تقاعده، وكان هذا تطوراً مهماً في حياته. فقد زار البرازيل وحاول التوسط في إطلاق الرهائن الأجانب في لبنان (1985) والعراق (1990).
وفي عام (1996) أشعل الشعلة الأولمبية في أتلانتا بيدين مرتعشتين حيث بدا أثر المرض عليه واضحاً.
التألّق بعد الرحيل:
“سأجهز نفسي لملاقاة الله” بهذه العبارة أجاب الأسطورة محمد علي كلاي عن سؤال وُجه إليه في أحد اللقاءات عما سيفعله بعد اعتزال هذه اللعبة، وكان وقتها نجماً عالمياً مفعماً بالقوة الإيمانية والبدنية.
هذا اللقاء الذي حضره الآلاف من المعجبين بهذا البطل، كان ذا تأثيرٍ كبير في اعتناق عدد من الحاضرين الدين الإسلامي؛ سيراً على درب نجمهم المفضل.
وخاطب الحضور مستشهداً على وجود الله بطرح عددٍ من الأسئلة: “هذه الكأس التي في يدي، هل يمكن أن نقول إنها صنعت ذاتها؟ فما بالكم بهذا الكون العظيم.؟”.
حديث محمد علي كان مفعماً بالإيمان والحكمة، تجلى فيها البطل “الذي كان يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة” كأنه ملاق ربه؛ فبعد هذه المقولة استطرد قائلاً: “هزيمة هؤلاء لن تدخلني الجنة؛ فقد خلقني الله لأمر أعظم من هذا، وهو عبادته، والإحسان إلى الناس” ودائماً “سأبذل قصارى جهدي لعمل الخير”.
أصيب علي بالشلل الرعاش وعانى من المرض كثيرًا إلى أن توفي يوم الجمعة 3 يونيو 2016، عن عمر يناهز الــ 74 عاماً في مدينة فينيكس عاصمة ولاية أريزونا بعد أن أدخل المستشفى يوم الخميس.
قالت ابنته في تغريدة على (تويتر): “مات والدي بسلام وكان حوله عائلته الذين رددوا الصلوات الإسلامية، ظل قلبه ينبض حتى النهاية فيما توقفت أعضاؤه الأخرى عن العمل”.
مات علي، لكن نجوميته وتألّقه باقية، حتى بعد رحيله، النجومية التي تخطّت حلباتِ الملاكمة، قافزة على كل الأعراق. نجومية أشبهُ بالشعلةِ التي لا تنطفئ.