ما دور منظمات حقوق الإنسان العالمية والعربية؟ (1 من 2)
قرأت في أحد التحليلات حول أهمية أن يحاكم مجرمو الحرب الصهيونية الذين يعربدون في قطاع غزة الآن كما عربدوا قبل ذلك في الفترات السابقة في لبنان وقطاع غزة ورام الله. ما يؤكد أن المجرم باراك لن يخسر شيئا بارتكاب مزيد من الجرائم والمجازر ضد المدنيين الأبرياء العزل من أهل غزة لأنه يدرك جيدا عدم إمكانية تسليمه إلى محاكمة دولية كمجرم حرب من الدرجة الأولى. حيث إن تلك المحاكم تم تخصيصها لنوع معين ممن يرفضون سياسة واشنطن وتل أبيب وليس بالضرورة أن يكونوا مجرمي حرب مثل باراك, خاصة أن تلك المحاكم تم تخصيصها للعالم الثالث, والكيان الصهيوني لا يدخل ضمن هذه القائمة! فالكيان الصهيوني يعد ولاية أمريكية. كذلك فإن المجرم باراك لا يريد أن يظهر نفسه جبانا بصفته عسكريا ولا يزال يتوهم أنه في أيام الشباب وأن عقله سليم ونشيط حين كان مسؤولا عن العمليات الخاصة في الجيش الذي لا يقهر, ولا يدرك المجرم باراك أن الزمن يتغير ضده وضد كيانه المجرم, وأن الفلسطيني الذي يقاتل الآن في غزة أعداءه من الجانبين ليس من النوع الذي تمت خيانته وطرده من وطنه.
كيف سيحاكم مجرمو الحرب الصهاينة وهناك ألاعيب أصحاب القوة العسكرية التي تتحكم في العالم الآن؟ وليس ما يقال إنها منظمات وهيئات للدفاع عن (حقوق الإنسان), فإذا عدنا بالذاكرة إلى ما قبل 60 عاما, حيث تم التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 في أعقاب الحرب العالمية الثانية, وهو العام نفسه الذي تم فيه التوقيع والخيانة العربية لتتم عملية احتلال فلسطين بداية صياغة كيان العدو الصهيوني على أرض فلسطين. ومن يطلع على خريطة فلسطين عند بداية احتلال هذا العدو أرضها وكيف تطاول إجرامه مستظلا بالغطاء العسكري من الدول المساندة الغربية وأيضا بما يمكن أن يقال إنه الخنوع العربي طوال تلك السنوات, سيجد أن هذا الاحتلال امتدت مساحات احتلاله وتقلصت في المقابل مساحات الأرض المتاحة للفلسطينيين, وهي في الوقت نفسه محكومة بالهيمنة من قبل إدارة الكيان الصهيوني, فالتحكم في المعا بر إلى الهجمات العسكرية بين فترة وأخرى لتطويع هذا الشعب الأعزل إلا من الحجارة وصواريخ القسام, التي تمثل الآن (سلاحا نوويا لا بد من تجفيف منابعه)! والأهم الذي يملكه هذا الشعب والنماذج منه الآن في قطاع غزة هو اليقين بنصر الله, و الإرادة والصمود لاستعادة الحق والدفاع عن المسجد الأقصى. وهذه هي القوة الروحية الدافعة التي تحدث عنها علماء الدورات الحضارية للأمم الذين يحللون الوقائع ليس من ظواهرها فقط, بل من جزيئاتها أمثال أوزوالد أشبنجلر وأرنو لد توينبي, ولا ننسي ابن خلدون وبيتر يم سوروكن الروسي الأصل الأمريكي الجنسية, وبالطبع المفكر العربي الجزائري مالك بن نبي, الذين تحدثوا عن هذه الشعلة التي لا تضيء سوى في الشعوب الحرة التي ترفض الظلم, وترفض التدني والركون إلى مستوى الغرائز, تحركهم حيث لا عقل ولا إرادة وإنما حب الدنيا والخوف من الحرمان من نعيمها.
هذه هي المعادلة التغييرية التي تنشئ حضارة وعلى نقيضها تضمحل الحضارات, وهي الفرق بين الإنسان الفاعل الذي يتمثل الآن في المقاتل الاستشهادي في قطاع غزة على وجه الخصوص, والإنسان المتسكع على شوارع أشياء الحضارة أمثال أشباه الرجال في مجتمعاتنا العربية.
إذا عدنا إلى ما يقال إنه الإعلان عن حقوق الإنسان عام 1948 ذلك الوقت كانت الدول المسماة اليوم العالم الثالث هي الأكثر تحمسا لهذا الإعلان. فيما كانت دول عظمى مثل بريطانيا والولايات المتحدة غير متحمسة، فالأولى لم تشأ التوقيع حتى لا تضطر إلى تطبيقه والالتزام به في مستعمرات الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس. أما أمريكا فلم تشأ تطبيق الإعلان على الولايات الجنوبية، التي كانت في السابق معقل العبودية. وكما يذكر الدكتور عماد الدين رزق في هذا الخصوص فيقول:
(اليوم تغيرت الصورة كثيرا, فصارت دول العالم الثالث هي الأكثر خرقا وانتهاكا وتجاهلا واستهتارا ببنود الإعلان الثلاثين، فيما تحرص الدول الغربية عليها أكثر من غيرها، أو هكذا كان يقال لنا، قبل أن تفتضح هذه المزاعم في السنوات الأخيرة. وهو ما يثير سؤالا لا مفر منه: هل يمكن حقا أن ندعوه الإعلان العالمي ؟ كيف ومعظم البلدان المفروض أن يطبق عليها وتطبق بنوده هي الأكثر تجاهلا له؟ الإعلان يظل مثار خلاف دولي بين الشمال والجنوب، بين الفقراء والأغنياء. فدول العالم الثالث تنظر إلى الإعلان بوصفه عصا غليظة تستخدمها الدول الغنية انتقائيا لتقريع الدول الفقيرة وإخضاعها لتقديم تنازلات بعينها. كما أن ازدواجية المعايير لا تنتهي هنا، فهذه الدول الفقيرة نفسها تتهم الغنية بأنها تضرب بالإعلان عرض الحائط حين لا يناسبها تطبيقه، والأمثلة الصارخة على ذلك لا تعد ولا تحصى من سجون السي آي إيه السرية أو الطائرة أو الرأسية في مواقع مجهولة من بحار ومحيطات حول العالم، إلى سياسة ترحيل المعتقلين إلى بلدان العالم الثالث ليتلقاهم خبراء التعذيب في بلدانهم بعيدا عن طائلة القوانين الأمريكية (وحتى يكون بوسع العم سام ادعاء البراءة من دماء المعذبين)، مرورا بجوانتانامو وليس انتهاء بسجن أبو غريب العراقي وباغرام الأفغاني. وهذا يقودنا إلى التساؤل عن جدوى الإعلان، إذا كان العالم يحتفل بإشهاره دون أن يكون قادرا على تطبيقه أو إلزام أي من دول العالم بتطبيقه؟ هل صار الإعلان حقا مجرد حبر على ورق؟).
تأكيدا على ما ذكره الدكتور عماد الدين رزق نجد أن ما يحدث في قطاع غزة إلى الآن من استخدام مروع للقنابل الفسفورية والحرارية واليورانيوم المنضد, وسابقا في الأسبوعين الأولين للحرب على غزة كانت مئات الأطنان من القنابل تقذف من طائرات الإف 16 على المنازل والمستشفيات والمدارس وتتسلى بالقتل وهي في مأمن من صراخ الدول العربية, وفي اطمئنان من أي محاسبة ترتبط بحقوق الإنسان, أو بأي محاكمة تطولها فقد تربعت على صدور الأنظمة وعلى رأسها الإدارة الأمريكية وإعلانات حق الفيتو.