دعونا نقف صفا واحدا

يبدو أننا لا بد أن نستحدث لغة جديدة أو عقلا جديدا كي نفهم اللغة التي يثرثر بها من يتم استضافتهم للتعليق على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني يوميا، وفي كل يوم توغل هذه الآلة الجهنمية في تفتيت وحرق أطفال غزة ونسائها وشيوخها, أكاد أموت قهرا وأنا أشاهد من يلقي اللوم على هذه الجهة والأخرى وكأننا نشاهد مسرحية مرعبة أبطالها من هم يمثلون الساسة والمحللين والناطقين باسمنا والذين يفترض أنهم شهداء الله في أرضه لحملهم أمانة التصدي للدفاع عن قضايا الأمة. وفلسطين هي قضيتنا مسلمين ومسيحيين.
الرجال كتابا وشعراء من أنحاء العلم العربي ينوحون كأنهم نساء! ماذا تركوا للأطفال؟
وهناك من لا يجد ما يسهم به في هذه الحرائق التي لا تزال تشتعل في الأجساد بعد أن اطمأن المجرمون في الكيان الصهيوني لقرار مجلس الأمن الذي منحهم مزيدا من الوقت كي يقتلوا الفلسطينيين، ونحن جميعنا لا حول ولا قوة لنا إلا في لوم حركة حماس، لأنها لا تريد أن تكون حملا وديعا في محميات العدو وتهنأ بالخير يردها من جميع مزارع الإدارة الأمريكية مكافأة لها على أن تكون محبة للسلام تحت الخنوع والمذلة والهوان.
والنساء الآن هن من يدرن العالم ابتداء من جولدا مائير وانتهاء بالكريهة ليفني ومعها كونداليزا رايس التي جعلت أغلب الحرائر منا يرفضن أنوثتهن إذا كانت ستجمعهن مع هذه المرأة!
هؤلاء النساء يحرقن العالم والرجال يطأطئون لهم، بل هناك من يخشى على ليفني من السقوط فيسندها لأنها أنثى قابلة للكسر وهو العربي الذي لا يرضى أن تسقط النساء أمامه، ولكن لا مانع أن يحترقن بالقنابل الفسفورية من طائرات ليفني!
نحن أمام معضلة أخلاقية وهي أقسى من كوارث الحروب, لأن الحروب تميت البشر وتدمر المنازل, أما الكوارث الأخلاقية وانعدام الحمية والعزة والنخوة فهي تبيد الأمة بأكملها.
ما يحدث من الوحشية التدميرية دون حدود وهي حرب على كل الشعب الفلسطيني وليست على "حماس" فحسب. اليوم يا عقلاء العالم هو الوقت لتوحيد صفوفنا، ليس خلف كأس الخليج الذي يذهلني أن يستمر والأمة في نكبة حقيقية, ألا يكفينا أننا شاركنا في الحصار على غزة.. جميعنا مسؤولون عن ذلك، والآن نحن أيضا مسؤولون عن هذه المجازر بصمتنا وترددنا أن نقف صفا واحدا لمنع هذا الإجرام، بل محاسبة من ساعدهم على ذلك, فالقضية ترتبط ببيت المقدس وليست نزاعا على حقول غاز أو نفط أو مزارع البرتقال فقط. أوقفوا هذا المهرجان الرياضي لكأس الخليج, ولا تنشروا أي صور للمحتفلين بتحقيق هدف كروي، فهناك قنابل فسفورية تبحث عن أهدافها ليلا ونهارا في منازل أهلنا في قطاع غزة. عيب علينا هذه اللامبالاة، عيب علينا أن نصل إلى هذا المستوى من التردي في عدم الشعور بما يعيشه الفلسطينيون تحت حرائق وطائرات الصهاينة، تسقط القنابل المحرمة دوليا التي شاهدناها بأعيننا وهي تحول سماء القطاع إلى كتلة من اللهب، وهناك على أرض الواقع شاهد ذلك الطبيبان مادس جيلبرت وإريك فوس وهما الغربيان الوحيدان اللذان كانا موجودين يوم الأحد في مستشفى الشفاء في غزة, ونجحا في نقل 15 فلسطينيا مصابين بجروح خطيرة جراء استخدام تلك الأسلحة إلى خارج القطاع عبر معبر رفح، بعدما تعرض موكبهم في محاولة أولى لنيران القوات الإجرامية. وأكدا أن الحالات التي عاينوها تدعوهما إلى الجزم بأن إسرائيل استخدمت أنواعا جديدة من الأسلحة ضد سكان قطاع غزة، وهي ذاتها المستخدمة سابقا من قبل الجيش الأمريكي. وأضاف الطبيبان النرويجيان أن الأسلحة التي تحدثا عنها والتي يطلق عليها اختصارا "دي.أي.أم.إي" (المعدن الكثيف الخامل)، عبارة عن كرات صغيرة تحتوي على واحد أو أكثر من معادن عدة، بينها: الكربون والنيكل والحديد والكوبالت, وتخترق الجلد وتنفجر داخله. وأوضحا أن هذه الكرات الصغيرة ذات قوة تفجيرية هائلة, مؤكدين أنها تؤدي إلى انشطار جسم الضحية إذا انفجرت على مسافة مترين. أما إذا انفجرت على مسافة ثمانية أمتار فتتسبب في حرق الأرجل وبترها. وأشارا أيضا إلى أن حالات عديدة مماثلة سجلت خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006م. وأكد الطبيبان اللذان يقومان بمهمات في الشرق الأوسط منذ 20 عاما مع منظمة "نورواك" النرويجية غير الحكومية, أن تجارب أجريت على فئران بينت أن جزيئات الكرات المتفجرة التي تظل في أجساد الضحايا تؤدي إلى إصابتهم بالسرطان.
تساءل هذان الطبيبان الغربيان عما إذا باتت غزة مختبرا لصانعي الموت؟ كما تساءلا عما إذا كان مسموحا - في القرن الـ 21 ـ بمحاصرة 1.5 مليون إنسان وقصفهم بهذه الطريقة بزعم أنهم (إرهابيون)؟ شاهدوا من أصبح يدافع عن إخوتنا في قطاع غزة ؟ بل من وحدتهم هذه الحرب على قطاع غزة في المظاهرات التي تجوب مختلف دول العالم، لقد سار جنبا إلى جنب اليساري، اليميني، البوذي، الهندوسي، المسيحي، والمسلم. مختلف الديانات والتوجهات وممثلو الأحزاب والقوى السياسية التي بعض منها يناهض حتى حكوماتهم، وحدتهم مشاعر الإنسان الحر الذي يرفض منطق الغاب, وأسلوب القوة. وفي المقابل نجد بيننا من يتشدق أنه لا يصح أن نذكر أن من استشهد من جراء إسقاط هذه الأطنان من القنابل على مدى 18 يوما ـ عند كتابتي للمقالة ـ بلقب (شهيد)، لأنه كما يقول لا بد أن نناقش المسمى وفق الإطار التشريعي لها! واستعرض أحاديث متعددة كي يؤكد (عدم جواز التلفظ بكلمة الشهيد عند وصفنا لمن تحصدهم آلة العدو الصهيوني)! نسي هذا المتفلسف أن يشرح لنا ماذا في شريعتنا الغراء من تعاليم للدفاع عن حقوقنا وخصوصا إذا كانت هذه الحقوق المسجد الأقصى؟ مسرى الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأولى القبلتين.
كما ذكرت سابقا، يبدو أننا في منعطف خطير يمس أبجديات كرامتنا وما تم غرسه في عقولنا وما نستنشقه مع ذرات الهواء منذ طفولتنا، والتي تعني (الأمة الإسلامية)، فما يحدث من بعض الوقائع الإعلامية المكتوبة أو المرئية تختلف تماما مع هذه الأبجدية، فنجد بيننا من يطالب الكيان الصهيوني أن يخلصه من حركة حماس! ونجد من الغربيين من يقف على قمم المصداقية كما هي في شهادة للنائبة في البرلمان الأوروبي لويزا مورجانتيني وهي نائبة إيطالية تنتمي إلى اليسار الأوروبي الموحد التي قامت بزيارة خاطفة لغزة ضمن وفد أوروبي ضم سبعة من زملائها. وقولها إنه لم يتح للوفد الذي دخل من معبر رفح التجول في غزة سوى ساعتين ونصف الساعة خلال هدنة الساعات الثلاث اليومية المعلنة من جانب إسرائيل. لكنها أكدت أن الوفد عاين الوضع القاسي في غزة, ووصفت الأزمة الإنسانية هناك بالهائلة، لا يوجد غذاء في غزة, ولا كهرباء، ولا مخزونات كافية من الغذاء والدواء، وأن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لا توزع سوى الحليب, وطالبت بوقف إطلاق النار فورا. وأوضحت النائبة الأوروبية أن الوفد عاين أشكالا مختلفة من التدمير الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية, غير أنها نقلت في المقابل أن الفلسطينيين الذين قابلهم النواب تمسكوا بالحياة رغم كل القتل والخراب الذي حل بغزة جراء القصف الإسرائيلي الذي دخل أسبوعه الثالث.
قالت هذه النائبة مورجانتيني: إن على الفلسطينيين أن يعلموا أن هناك أوروبا أخرى غير التي ترقص مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في إشارة إلى التأييد الذي تحصل عليه إسرائيل من دول أوروبية كبيرة مثل بريطانيا، ما يسمح لها بالاستمرار في هجومها.
وأضافت النائبة الإيطالية إن كتلة اليسار الأوروبي الموحد ستؤكد خلال جلسة البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء أنه لا يمكن تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في هذه المرحلة.
هذا مثال بسيط لما هي عليه المواقف من هؤلاء الغربيين الذين يدافعون عن أهلنا في غزة بضراوة لا نجدها عند المخذولين نفسيا والمنافقين الذين يتلذذون بدماء الشهداء كالضباع!
يا أحرار العالم وحدوا صفوفكم للمطالبة بمحاكمة مجرمي هذه الحرب ومن ساندهم وساعدهم ومولهم بالسلاح والتواطؤ.
ويا أيها المسلمون قاطعوا بضائع أي دولة تدعم هذا العدو. للأنظمة حساباتها وللشعوب قراراتها الفردية للدفاع عن إخوتنا في قطاع غزة ونصرتهم قدر ما نستطيع بالدعاء وبالتضامن المعنوي والعملي.
يا رجال ساستنا العرب التاريخ لا يحتفظ إلا بأسماء الأبطال، ولهذا جميعنا يعرف صلاح الدين، ونسينا من فرط في آخر ممالك المسلمين في قرطبة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي