التيارات الفكرية الإعلامية .. إلى أين؟

عندما وصلتني دعوة "ملتقى الإعلاميات" قبل فترة قصيرة، جاءت معها مرفقة عناوين الملتقيات السابقة التي أقاموها، بعد أن نظرت إلى الأسماء والعناوين، تأكدت أن الملتقى ذو توجه إعلامي إسلامي، كنت بعدها في جلسة نقاش مع إحدى الإعلاميات الصديقات حول هذه الملتقيات الإعلاميّة، فخرجنا بثلاثة تجمعات إعلامية نسائية سعودية، كل واحد منها تبنّى له توجها خاصا كملتقى الإعلاميات ذي التوجه الإسلامي والملتقى الذي كانت ترأسه ناهد باشطح والذي كان ليبرالي التوجّه.
لماذا يصرّ الإعلاميون على توجيه الإعلام؟ عندما ننظر إلى أصل الإعلام، رسالته، هدفه، وتعريفه، سنجد أنّه لم يُحدد له سقف أو حدود حتى يقولب بعدها، أي أنه لن يأتي مخالفاً لمتطلبات الإسلاميين و لا ضيقاً عن متطلبات الليبراليين، كما يحدث مع الأدب تماماً حين يقول الإسلاميون إن هناك "أدبا إسلاميا" وحتّى الآن لا أعرف ماذا يدعو هؤلاء الأدب الآخر؟
على الإعلام أن تكون غايته واحدة، و وسيلته واحدة، لأن ما يحدث الآن من قولبة و أطر يخلق نزاعات داخلية في الوسط الإعلامي ذاته، فنجد أن في الحوارات الإعلامية الشاملة هناك نزاعات حول الأفكار بين الفئات المنقسمة، رغم أنهم جميعاً يفترض أن يكونوا (إعلاميين) تحت اسم واحد يعملون باسمه و من أجله.
لم يكن الإعلام يوماً باباً يفتح وراءه تيارات واسعة جداً أو يغلق عن تيارات أخرى، هو جاء بشكله الإعلامي ليكفي احتياجات و متطلبات، ليكون هو لغة للتواصل بين كل الجماهير، ليكون يد الفاعلية و التغيير ، و ليكون صوت الآخر، لم يكن لا تياراً و لا فِكراً، لكن كل من يلبسه الآن يحاول أن يقصّه منه أو يزيد قصاصته عيه ليكون كالمقاس الذي يريده هو تماماً، و بهذا سيظل الإعلام دون تحقيق هدفه، طالما ستظل في داخله نزاعات، و ستظل هويته بهذا الشّكل غير مرئية و واضحة.

ولأن الإعلام متمثل في أكثر من وسيلة: صحافة، تلفزيون، إذاعة، وإنترنت، فما يحدث من اختلاف وقبول فائض عن الحد المعقول هو نتيجة الاختلاف في توجهات و توجيهات الإعلاميين، لذلك ففي كل وسيلة أيضاً فإن هؤلاء قد وجهوا أفكارهم فيها، وأصبح النزاع معها، سواء أكان علنياً ظاهراً أم متخفياً حول التنافسات في إيجاد بدائل عن الآخر.
ولأن الإعلام هو المحرّك الأكبر في الجماهير، و لأن الخطباء يصلون إليهم أيضاً عبره، ولأن الجمهور يثق هذه الثقة بالإعلام حتى أصبح مصدره، فإن هذه الانقسامات كانت بالضرورة سبباً أيضاً في انقسامات الجمهور المتلقي، و بهذا لم يعد هناك إعلام واحد فقط، بل عدة إعلام، لكلّ تيار إعلامه الخاص، أفكاره، توجهاته، وملتقياته، و أصبح يستغل هذه المساحة في إرسال رسائله هو وأفكاره للتأثير في جمهوره و خلق له مستقبلين يتجهون توجههم.
المشكلة أن ما يحدث كله من كل التيارات يخرج باسم (الإعلام)!، و سيظل رداؤه فائضا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي