خلعت ثوبي على الحدود السعودية

مقالة اليوم تتحدث عن واقعة حقيقية حدثت في الولايات المتحدة أثناء فترة دراستي في جامعة جورج تاون بالعاصمة واشنطن فقد كنت على تواصل مع زميل لي يدرس في مجال التخصص نفسه ولكن في جامعة في ولاية أخرى ، فجاء يوم لزيارتي فجرى بيننا حديث عن بعض السلوكيات السلبية التي يقوم بها قلة من المبتعثين السعوديين فسرد لي قصة أحدهم بقوله أنه بالتعاون مع غيره من السعوديين من مناطق المملكة المختلفة شكلوا مجتمعا صغيرا للتعاون والاجتماع في المناسبات واللقاءات الدورية والأعياد والمناسبات وأن الجامعة قد خصصت لهم ولغيرهم من المسلمين في تلك الجامعة غرفة لأداء صلاة الجمعة، وقال أنه لاحظ أن أحد الأخوة السعوديين من المجموعة الذي يشهد لهم بالصلاح كان دائما يضطر لتركهم للذهاب لإخراج شقيق له من مراكز الشرطة في تلك المدينة إما لارتكابه مخالفات مرورية كالسرعة أو المشاجرة أو القيادة تحت تأثير الخمر وغيرها من التجاوزات. وقد فشلت كل محاولات شقيقه لإصلاحه، قال فأردت من باب المبادرة التدخل بالنصيحة لهذا الشباب بعد أن فشل شقيقه في ذلك فذهبت إلى ذلك الشاب ومعي بعض الأخوة السعوديين وجلسنا معه نحدثه بلطف عن تجمعنا الأسري وقلنا له نحن سعوديون وملتزمون بديننا ومنفتحون وغير متزمتين في أفكارنا ولدينا برامج ترفيهية مختلفة ولنا مسجد نقيم فيه الصلاة ولنا اجتماعاتنا ونتجاوب مع المجتمع الأمريكي بثقافاته المختلفة فلم لاتنضم إلينا ؟ فقال زميلي فما تركني أكمل حديثي إلا انتصب قائما موجها كلامه لنا بالقول(أسمع يا أخي الأخلاق والدين والصلاح والأسرة إللي بتتكلم عنها هذا ثوب خلعته على الحدود السعودية بالله لا تتفلسف علي).
ما أريد منك أن تعرفه أيها القارئ الفاضل أن هذه القصة حدثت لي منذ أكثر من 25 سنة مضت يوم كنا نفتخر كسعوديين بانخفاض نسبة الانحراف في مجتمعنا وكنا نترحم في الوقت نفسه على السنوات التي سبقتها، إن ما نلمسه في أيامنا هذه من ارتفاع نسبة الانحراف بين الشباب داخل مجتمعنا سيعكس بلا شك بصورة أو بأخرى ازدياد النسبة بين هذا النوع من الشباب خارج الوطن سواء من المبتعثين منهم أو السياح فإذا خلع ذلك الشاب في تلك الأيام فقط ثوبه على حدود وطنه فماذا سيخلعه من الثياب السواتر من هو على شاكلته في أيامنا هذه؟.
إن هذه العينة من الشباب قد هدمت ومازالت تهدم سمعة وطن بأكمله في مختلف بقاع العالم وخاصة السياحية منها، وأود أن يسمح لي القارئ أن أستعير جملة من الجمل التي قالها ذلك الشاب المستهتر طيب الذكر وهي(بالله لا تتفلسف علي) لأكررها لمن سيرد علي بالقول إن سوء السلوك هذا حالات نادرة وليست مؤثرة أو ليست ظاهره بطريقة أو بأخرى، فأقول له بالفم المليان إنك أنت النادر في عالمنا ومجتمعنا هذه الأيام لكونك ما زلت تعيش على أحلام وذكريات أيام كنا نفتخر بها كسعوديين.
إن المشكلة تكمن في نوعية الخطاب الذي سبق أن كنا نخاطب ومازلنا نخاطب به عقول شبابنا اليوم، فنحن بلا شك فشلنا في عصرنة الخطاب الموجه إلى تلك الشرائح التي تفوق نسبتها 65 في المائة من الشريحة السكانية للوطن سواء كان ذلك الخطاب مصدره المسجد أو البيت أو المدرسة، إن خطابنا للشباب ما زال منذ 50عاما يتسم بالنمطية المملة مع وجود محاولات تطويرية خجولة تعطي انطباعا سيئا وسلبيا أكثر من سابقتها، دعونا ننظر بشفافية إلى برامج التعليم التلقينية في مدارسنا بل وفي جامعاتنا وإلى خطابنا الديني في المساجد وسلوكنا الأسري دعونا ننظر إلى الملايين من ساعات الفراغ القاتلة للملايين من شبابنا وشاباتنا دعونا ننظر إلى التقوقع الحضري والقبلي دعونا ننظر إلى البطالة وفشلنا في معالجتها، أقول بملء الفم والرئة والأوداج يا قوم توجد هنا مشكلة لها جذور، ياسادة نحن أهملنا الشباب وأقسم بالله أنني لم أتمكن وقد قاربت على الستين أن أعرف من هي الجهة الحكومية المسؤولة عن الشباب بمفهومه الواسع الكبير من يضع لهم البرامج من الذي يخطط لمستقبلهم من يضع إستراتيجياتهم من الذي يدافع عن آمالهم وأحلامهم لا تقولوا لي رعاية الشباب فهي وإن كانت حظيت بالاسم فهي لها أدوار استهلكت وتستهلك طاقاتها بواحد من أدوات رعاية وسلامة الشباب وهي الرياضة يستهلك فرع كرة القدم منها جل ميزانيتها. وأعلموا أن ليس كل الشباب يمارس الرياضة وليس كلهم من يحب كرة القدم وليس كلهم من يحب الفروسية وأرجو ياسادة ياكرام أن نبتعد سويا عن سطحية اللفظ والتفكير فنعتقد بالفهم القاصر أننا حينما نقول الشباب نعني الذكور منهم دون الإناث فكلا الجنسين في الحظ والبلاء سواء حفظ الله شبابنا من خلع الثياب على حدود الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي