البحث عن مؤشر التغيرات البيئية

اتساع ثقب الأوزون وعلاقة ذلك بذوبان الجليد، ظاهرة الدفيئة وما تسببه من احتباس حراري، تزايد حدة الإشعاع الشمسي وانعكاساته السلبية على الهباء الجوي، جهود الحكومات لتفعيل آليات التنمية النظيفة والمستدامة لمجابهة الظواهر البيئية والتغير المناخي، وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة التي تندرج بصورة عامة تحت عنوان "التغيرات البيئية" أصبحت من الموضوعات, بل القضايا المطروحة للنقاش، ليس على مستوى الخبراء والمختصين من العلماء والاقتصاديين فحسب، بل على مستوى المواطن العادي في الشارع العربي والعالمي عندما أدرك بحسه الفطري ما لهذه الموضوعات المطروحة من تأثير مباشر في متطلباته الحياتية، وربما تأثير غير مباشر في مستقبل الأجيال المقبلة لأولاده وأحفاده.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال يتطلب الإجابة: هل يمكن وضع مؤشر للتغيرات البيئية يمكن قياسه من منظور رياضي بسيط على غرار باقي المؤشرات المتعارف عليها لقياس الظواهر الاقتصادية والاجتماعية؟!
بداية نشير إلى أن اللجوء إلى استخدام أسلوب المؤشر Index لتوضيح مدى التغير في الحالة أو الظاهرة من خلال رقم رياضي محدد يسهل إجراء دراسة مقابلة مع مؤشر مماثل من الحالة نفسها، كما يمكن في الوقت ذاته متابعة الحالة أو الظاهرة مع عنصر الزمن لمعرفة التغير سلباً أو إيجاباً. ويهتم عديد من المنظمات الدولية والمراكز البحثية بوضع المعايير المناسبة لكل حالة أو ظاهرة التي يمكن من خلالها الحصول على (رقم) رياضي محدد .. ومن الأمثلة الواضحة والمتعارف عليها للعامة مؤشر الفقر Poverty Index وتميل الأمم المتحدة غالباً إلى استخدام عنصر واحد لقياسه على أساس الدخل للفرد يومياً بالدولار، وإذا ما كان دون الدولار الواحد فهو في عداد فئة الفقراء. كما ترى الأمم المتحدة أيضاً أن الحد الأدنى لمؤشر الفقر المائي Water poverty Index هو ألف متر مكعب للفرد سنوياً كعنصر وحيد. ورغم ذلك فإن هناك جهات دولية أخرى ترى أن قياس المؤشر يخضع لعديد من العناصر ولا يمكن تحديده باستخدام عنصر وحيد كقياس (مطلق) وأن من المستحسن استخدام القياس (النسبي), الذي يأخذ في الحسبان أكثر من عنصر محدد حتى يمكن تحقيق أكبر قدر من التوازن والشفافية في عملية الاختيار، ويتم ذلك غالباً بتحديد إجمالي العناصر المؤثرة في الظاهرة وتصنيفها إلى مجموعات لعناصر متجانسة ومن ثم تحديد أوزان كل مجموعة والعناصر الداخلة في نطاقها وحل المعادلة رياضياً للوصول إلى رقم محدد لهذا المؤشر، ومن أبرز الأمثلة للمؤشرات المعاصرة المستخدمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية: مؤشر اقتصاد المعرفة، ومؤشر الحرية الاقتصادية ومؤشر الرفاه الاجتماعي وغيرها.
وإذا ما تم اتباع المنهجية نفسها لقياس مؤشر التغيرات البيئية فإننا لا بد أن نتعامل مع أربعة محددات تضم عناصر للجوانب التالية:
الجانب البيئي: الذي يتحدد من خلال معرفة التغييرات في
درجات الحرارة، ومساحات الغطاء النباتي والغابات، وحجم ثقب الأوزون، ومقدار الملوثات في المياه والهواء وغيرها.
الجانب الاقتصادي: الذي تحدده عناصر التغير في الدخل العام ومعدلات التضخم والبطالة والفقر من جراء التأثير البيئي .. وكذلك كل ما يتعلق بتوافر الخدمات العامة.
الجانب الاجتماعي: يحدده مدى التغير في العناصر الخدمية البيئية المباشرة، مثل الصحة العامة والمسكن المناسب والحصول على المياه المأمونة وغيرها.
الجانب السياسي: ويعد أخطر جانب في معادلة التغيرات البيئية, فهو يرتبط بمدى استعداد المجتمع الدولي للتصدي لهذه الظاهرة من خلال الآليات الدبلوماسية مثل الاتفاقيات والمعاهدات أو الآليات الإعلامية ومنها الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، أو الآليات الجماهيرية من خلال الأحزاب أو الجمعيات والمجتمع المدني.
وفي كل الحالات فإن تكامل هذه الجوانب الأربعة واختيار الأوزان المناسبة لكل جانب سيعطي صورة شاملة عن معادلة التغيرات المناخية, وبالتالي الحصول على مؤشر يمكن من خلاله تحديد الوضع البيئي بأسلوب رياضي مبسط لكل دولة أو مجموعة دول وتحديد أولويات المشكلات المرتبطة بالتغيرات البيئية ووضع الحلول المناسبة لها, التي تسهم بالتالي في وضع تصورات عن الرؤية المستقبلية للتغيرات البيئية في المديين القريب والبعيد. وفي ظل عدم وجود أي وسيلة في الوقت الراهن لقياس التغيرات البيئية تبدو الحاجة ماسة إلى البحث عن مؤشر للقياس على غرار المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي يتم قياسها على المستوى الدولي وحتى يمكن فهم هذه الظاهرة من منظور رياضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي