Author

كلك ذوق

|

كثير من الأمور لن نتعلمها في المدرسة بل سنكتسبها من مواقف الحياة، التي قد تصنعنا أو نصنعها. هذه الأمور ستكون بمنزلة الخبرات التي تشكل شخصياتنا وتمنحنا عمقا في التعاطي مع الآخرين، وتجعلنا أكثر إنسانية وحكمة. في الأسبوع الماضي ذهبت كالعادة إلى السوبر ماركت التي اعتدت أن أشتري منها أغراض البيت، حين دخلت شممت رائحة خبز طازج، فتذكرت نزار قباني حين قال، " أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وأعشق عمري لأني إذا مت، أخجل من دمع أمي". علمت أن مخبزا تم افتتاحه بالأمس فيه، فقررت حين أنتهي من شراء أغراضي أن أشتري خبزا طازجا، وفعلا حين أتممت الشراء ذهبت إليه، ففوجئت بطابور طويل لا يقل عن 20 شخصا، لكن من يستطيع مقاومة رائحة الخبز وهو يخرج من التنور والهواء الساخن يتصاعد منه! وقفت في الطابور في الجهة المخصصة للنساء، وبحكم أدبيات الطابور كان يجب أن أنتظر 20 رجلا حتى يحين دوري، حين بدأ الطابور يتناقص شعرت بغصة وكنت أتساءل باستغراب، "معقول ما فيه واحد عنده ذوق يتنازل عن دوره كشهامة منه لامرأة؟! ولم أتم تساؤلي الداخلي حتى سمعت الرجل التاسع في الطابور يقول بكل احترام، "بكم أختي تبين خبزا؟!" وبكل ذوق ورقي وضع الخبز في الكيس وناولني إياه ثم دفعت للخباز الثمن وشكرت الرجل التاسع ودعوت له.

تذكرت قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حين وصل إلى مدين، ووجد فتاتين تذودان غنمهما، وتنتظران الرعاة أن يسقوا حتى يسقيا غنمهما، فقام سيدنا موسى عليه السلام بأداء المهمة بدلا عنهما ولم يتركهما تنتظران. مثل هذه الأخلاق الرفيعة نحتاج إليها بشدة في مجتمعاتنا الإنسانية. البعض قد يتحدث بقسوة، فيقول النساء الآن يطالبن بالمساواة فلتنتظر في الطابور كما ينتظر الرجال، والبعض لا يهمه إلا ذاته فقط ولا شأن له بالآخرين، والبعض الآخر قد يشعر بالحرج أن يعرض مساعدته على امرأة خوفا أن يساء فهمه.
من حقك كرجل أن تحتفظ بدورك في الطابور سواء كنت في مخبز أو محل أو مطار أو مصعد أو غيره، لكن ذلك الذوق الراقي والرحمة الصادقة، هي ما تجعل منك إنسانا حقا، خصوصا حين تضطر سيدة ما للوقوف في الطابور. تخيل أنها والدتك أو أختك أو ابنتك أظنك ستشعر بالامتنان لو أن شهما كريما سمح لها بالتقدم في الطابور؟!
لكل رجل تدفعه مروءته ورجولته إلى التنازل عن دوره في الطابور لامرأة.. ما أقول له إلا "كلك ذوق أيها الشهم"!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها