من جدة إلى وادي فاطمة
لعل من أخطر التحديات التي تواجه بلادنا خاصة ومنطقتنا عامة هو النقص المستمر في مصادر وكميات الموارد المائية المتاحة لنا مقارنة بنمو الطلب المتوقع. وقد أضحى واضحا أن بلادنا، بل منطقتنا العربية عامة، هي من أكثر المناطق جفافا وصحراوية في العالم. وقد خلص تقرير المجلس القومي للاستخبارات في الولايات المتحدة، الذي صدر في الأسبوع الماضي وينشر كل خمس سنوات، إلى أن نقص المياه المتوقع في المنطقة سيكون أحد أهم عوامل الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة! وعلينا أن نأخذ مثل هذه الدراسات والتقارير التحذيرية بكل ما تستحقه من جد واهتمام. ذلك أن الاستهانة بتوقع ما هو آت أو التردد في الاستعداد لما تدل عليه المؤشرات، لا يعيننا على التخطيط المبكر اللازم للتصدي لمثل هذه الأزمات، هذا إن لم يعمق مخاطرها، ويضيق فرص حلها في المستقبل.
وقد جاء المؤتمر الدولي الثالث للموارد المائية والبيئة الجافة 2008، والمنتدى العربي الأول للمياه، الذي انتهت فعالياته في الرياض منذ أيام ليذكر بهذه الحقيقة ويؤكد على مجموعة من التوصيات المهمة، التي نتمنى الآن أن تجد طريقها إلى التطبيق الفوري. وكان من ضمن هذه التوصيات التأكيد على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة في ري المحاصيل الزراعية لترشيد استخدام المياه، منها ـ وهذا هو بيت القصيد من مقالي هذا- التوصية باستخدام مياه الصرف الصحي ـ بعد معالجتها ـ في ري المحاصيل الحقلية.
وكان المجلس البلدي لمحافظة جدة قد وافق أخيرا على مد خطي أنابيب لتصريف مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا على مرحلتين: أولهما يتصل بمجرى السيل بتكلفة قدرها 30 مليون ريال، والآخر عن طريق مد خطوط أنابيب تصب في البحر بتكلفة قدرها 60 مليون ريال، لكن هذه المياه هي في الواقع ثروة مائية كبيرة يمكن الاستفادة منها في ري آلاف المزارع في منطقة خليص القريبة من جدة، ومنطقة الجموم في وادي فاطمة، التي لا تبعد أكثر من 45 كيلو مترا عنها. الفكرة تستحق إعادة النظر وتحويل مجموع هذه التكلفة البالغة 90 مليون ريال ـ أو حتى زيادتها إذا تطلب الأمر من خلال مشاركة إدارة وقف العين العزيزية بجزء من هذه التكلفة ـ من أجل مد هذه الأنابيب وإقامة محطات الضخ اللازمة لإيصال المياه إلى هذه المناطق بدلا من هدرها في عرض البحر. ويمكن بعد وصولها إلى تلك المناطق تكوين شركة من أصحاب المصلحة لإنشاء محطة توزيع يستفيد منها المزارعون، وغيرهم من المستثمرين في الصناعات غير الغذائية.
أرجو أن تحظى الفكرة برعاية رجال المجلس البلدي الكرام في محافظة جدة، وعلى رأسهم زميلنا الخلوق وعالمنا الكبير الدكتور طارق فدعق. هذا الرجل الذي اختاره زملاؤه المنتخبون في المجلس البلدي رئيسا لهم في مرحلة لاحقة، لواسع علمه وعظيم أخلاقه وشدة إخلاصه.
أتمنى عليه أن يعطي هذه المسألة حقها من العناية، وهو الرجل المخلص الذي أعلم أنه ما زال حتى الآن يستخدم سيارته وألبسته الخاصة في أداء مهامه العامة بما فيها التردد على بحيرة المسك الخطرة دون أن تتوافر له وسائل الحماية الجسدية من الأقنعة والملابس! إذ يبدو أن موارد أمانة بلدية جدة قد ضاقت عن توفير هذه التسهيلات له ولزملائه. لكنا نسأل الله تعالى ـ نحن سكان محافظة جدة ـ أن يثيبه هو وزملاءه بما هم أهل له.
المياه ثروة نادرة وغالية، وما عاد وضعنا الحرج يسمح بهدر أي كمية محتملة منها.