نيبال في نيبال
في جلسة سمر مع مجموعة من المثقفين العرب، ذكر أحدهم أنه عائد لتوه إلى الوطن بعد رحلة عمل وسياحة شاقة في مجموعة دول شرق آسيا، واسترسل - وله كل الحق في ذلك - في وصف مجالات التنمية المتنوعة والتطور السريع الذي حدث أخيراً في اليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها. وأنه توقف (ترانزيت) في كتماندو عاصمة نيبال (Nepal) آخر ممالك الشرق الأقصى الغامضة، وربما أفقر ممالك العالم في عصرنا الحديث، وهنا توقف الحديث وحدثت مداخلات من الأصدقاء منهم من أشار صراحة إلى عدم معرفته لهذه المملكة، وآخر يطلب المزيد من المعرفة، ومن يعتقد أنها مجرد مزحة من صديقنا العائد، ولكن أعجب ما في هذه الجلسة كانت مداخلة صديقنا المصري الذي قال بثقة أنه (أبو نيبال) وأن ابنته الوحيدة نيبال – وهذا اسمها بالعربي - لها الحق في كرسي العرش في هذه المملكة.
ولنا من قراءة مداخلات هذه الجلسة أكثر من وقفة حيث تعرضت للعديد من القضايا المعاصرة.
القضية الأولى: تتعلق بالفجوة المعلوماتية، فعلى الرغم من التطور الذي حدث في تقنية المعلومات وصناعتها وما تقدمه العديد من الدول العربية لتوفير البيئة المناسبة اللازمة لتمكين شرائح المجتمع كافة للتعامل مع أنشطة المعلوماتية المتعددة بفاعلية ويسر، إلا أن ذلك يقابله مع الأسف سطحية في الحصول على المعلومة الصحيحة والاستفادة منها لتطوير المهارات الذاتية لبلوغ مستوى راق من المتطلبات الحياتية في التخصصات العلمية أو العملية كافة، وأصبح الاهتمام منصب على البحث عن الجديد في الموضة أو الأسهم أو نتائج مباريات الكرة وما إليها.
القضية الثانية: تتعلق بقيمة الدول اقتصادياً ومدى ما تتمتع به من حرية اقتصادية في ظل النمو الاقتصادي المتسارع، وأن هناك العديد من المحددات التي يتم على أساسها قياس مؤشر الحرية الاقتصادية منها ما يتعلق بحرية ممارسة الأعمال والتجارة ويرتبط بالجوانب المالية مثل الحرية المالية العامة أو النقدية أو تدفق رأس المال إضافة إلى كل ما يضم الحريات العامة، مثل حرية الحقوق الملكية، والتخلص من الأعباء الحكومية والفساد .. ومن ثم فإن لكل دولة مهما قَلت قيمتها في الترتيب الدولي ميزة أو مجموعة ميزات اقتصادية قد لا تتوافر لغيرها من الدول.
القضية الثالثة: تتعلق بوضع الدولة على الخريطة الدولية في عصرنا الحالي، فالملاحظ أن هناك أمثلة للعديد من الدول بارزة اقتصادياً وسياسياً أيضاً لم يكن لها وجود جغرافي أو جذور تاريخية نذكر منها: جزيرة هونج كونج وسنغافورة في آسيا وموناكو وإمارة ليخنشتاين في أوروبا وجنوب إفريقيا، وكوبا وهايتي في أمريكا .. وفي المقابل فإن هناك دولا أخرى لها سجل تاريخي ووضع جغرافي مميز، ومع ذلك فهي تعيش في ظلال الحاضر. ومن هذه الدول نيبال.
وتقع نيبال على الحافة الجنوبية لمرتفعات التبت وجبال الهملايا (أعلى مرتفعات جبلية في العالم، أكثر من خمسة آلاف متر فوق سطح البحر) في الجزء الشمالي من الهند، وتعد من أقدم ممالك العالم، تأسست عام 1775م ودامت لأكثر من قرنين، وتعيش في شبه عزلة دولية في مساحة لا تتجاوز (140) ألف كم2، يسكنها حالياً نحو (26) مليون نسمة ولا يتجاوز الدخل العام 6 مليارات من الدولارات سنوياً، أو بمعنى آخر فإن دخل الفرد منها لا يزيد عن 250 دولارا سنوياً، ما يعكس زيادة في معدلات نسب الفقر بها .. وتشير تقارير البنك الدولي أن نسبة السكان ذوي دخل أقل من دولارين يومياً يصل إلى 80 في المائة وهي من أعلى النسب المقدرة في آسيا وتقارب نظيراتها في العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء. ويعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة والرعي واستغلال الغابات التي تشكل 27 في المائة من إجمالي المساحة، حيث تتوافر المياه المتجددة والتي تقدر بنحو 200 مليار متر مكعب سنوياً (أي بمتوسط 8 آلاف متر مكعب للفرد سنوياً) وهي نسبة عالية بالمقاييس كافة.. والنشاط الصناعي شبه معدوم حيث يعيش السكان في مجتمع زراعي يعتمد على زراعة نحو 3 ملايين هكتار .. ومن أهم صادرات نيبال السجاد الصوفي والملابس التقليدية والجوته (القنب) الذي يستخدم في صناعة الخيش.. كما تعتمد في زيادة حصيلة دخلها أيضاً على السياحة التي تشكل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لها.
وفي الختام نقول لصديقنا المصري إذا كنت تريد أن تعيش في قمة العالم في بلد يتمتع بمجتمع ريفي لا ينشغل بالصناعة وهمومها، وخال من التلوث والتدهور البيئي ولا يعتمد العلوم والتقنية في أجندته الاقتصادية فالنصيحة أن تأخذ ابنتك نيبال لتعيش في نيبال أرض السعادة وراحة البال.