FINANCIAL TIMES

جامعات العالم العريقة تخشى ضياع هيمنتها الفكرية

جامعات العالم العريقة تخشى ضياع هيمنتها الفكرية

في عام 1932 كانت الحياة الفكرية الألمانية هي الأفضل في العالم. فازت البلاد بثلث جوائز نوبل منذ عام 1901. ثم جاء هتلر، وسرعان ما أصبح أينشتاين في برينستون، وهانا أرندت في نيويورك، وبرتولت بريخت في هوليوود، وولتر غروبيوس في هارفارد ... وهلمجرا. وما زالت بريطانيا تستفيد من هذا النزوح الجماعي: كانت الكاتبة جوديث كير والمهندس ريتشارد روجرز لاجئين هاربين من الفاشية، إضافة إلى لوسيان فرويد وإيريك هوبسباوم وإرنست غومبريش وعدد آخر لا يحصى قبلهم. اليوم، تساعد هيمنة اللغة الإنجليزية على دعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بوصفهما قوتين فكريتين عظيمتين. ثماني جامعات من أفضل عشر في العالم في تصنيفات شنغهاي هي جامعات أمريكية. والاثنتان الأخريان أوكسبريدج (جامعتا أكسفورد وكامبريدج).
هذه الجامعات العشر ستظل جامعات عظيمة، لكن التفوق الفكري الأوسع لأي دولة دائمًا ما يكون غير مستقر. سينتقل المفكرون الجيدون من أجل المال، والترحيب، وحرية الرأي وصحبة عقول أخرى. تخسر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الهيمنة في كل هذه الأمور. نحن ننتقل إلى عالم فكري متعدد الأقطاب.
الهيمنة البريطانية كانت استثنائية. إنها دولة متوسطة الحجم، غنية بصورة متواضعة وغالبا ما تكون مدارسها متوسطة المستوى، لكن كما أشار عالم الأحياء، ريتشارد دوكنز، في عام 2013: "كلية ترينيتي في جامعة كامبريدج لديها جوائز نوبل أكثر من أي بلد آخر، باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا".
ومع ذلك، الهيمنة الاستثنائية عادة لا تستمر. الجامعات البريطانية بدأت تفقد جاذبيتها حتى قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: انخفض متوسط الراتب الأكاديمي منذ 2010 / 2011 إلى 40449 جنيها استرلينيا. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكافح كي تستمر في جلب موظفين، وطلاب، وتمويل بمستوى ممتاز من أوروبا. يقول أحد الأصدقاء الذي يعمل في جامعة كامبريدج - التي كانت تعتمد على الاتحاد الأوروبي في ربع تمويل بحوثها تقريبا من المنح التنافسية - إن عليه أن يتمالك نفسه لكيلا يضرب أنصار خروج بريطانيا. أكسفورد وكامبريدج ستبقيان من الطراز العالمي، لكنهما قد تصبحان أقل ارتباطا ببريطانيا، لأنهما بدأتا تنقلان أجزاء تابعة لهما إلى أوروبا للاستمرار في جذب الأموال الأوروبية وربما الموظفين والطلاب.
الولايات المتحدة أكثر استقرارا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن أفضل جامعاتها تدفع أعلى الرواتب الأكاديمية في كل مكان غير سويسرا (التي، عدا عن المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، لم تترجم أبدًا الأموال على نحو تام إلى جامعات ممتازة عالميا). وفقا للجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات، تصدر جميع الأساتذة في جامعة كولومبيا الجداول البيانية الأمريكية بمتوسط رواتب يبلغ 251300 دولار في العام الماضي.
لكن الحزب الحاكم في البلاد معاد للأوساط الأكاديمية. في استطلاع أجراه مركز بيو العام الماضي، قال 58 في المائة من الجمهوريين إن الكليات لها "تأثير سلبي" على الولايات المتحدة. وحتى قبل أن يصبح دونالد ترمب رئيسا، أجبرت الأزمة المالية البلاد على إجراء استقطاعات كبيرة من الجامعات الحكومية، واستمرت الولايات الديمقراطية في الاقتطاع خلال فترة الانتعاش الاقتصادي. معدل التحاق الطلاب الأجانب بالجامعات الأمريكية آخذ في الانخفاض منذ عام 2016. وكما كشف ديمتري سيفاستوبولو في "فاينانشيال تايمز" أخيرا، فقد دعا بعض المسؤولين في البيت الأبيض إلى إيقاف منح التأشيرات للطلاب الصينيين - وهم أكبر مصدر منفرد للواردات الأمريكية من العقول. كان المسؤولون يستهدفون جزئياً التجسس الاقتصادي الصيني، لكن مساعد ترمب، ستيفن ميلر، أراد إضافة إلى ذلك الإضرار بجامعات النخبة المعارضة لترمب.
لقد فقدت الولايات المتحدة أيضا جزءا من حرية الرأي. كان الأكاديميون الأمريكيون يحترسون فيما يقولونه عن العرق والجنس لسنوات. لقد واجهت ذلك بأم عيني في مؤتمر عُقد في جامعة أمريكية في عام 2014، عندما كتبت إحدى الأكاديميات في مدونة بعد خلافات فكرية في نقابة المحامين: "كل شيء قاله كوبر في ذلك الحوار كان متحيزا ضد المرأة، وما كان سيئا بصفة خاصة هو أنه كان يبدو غير مدرك للأمر". وأنا ليبرالي بخصلة تشير إلى التعجل - وبالرغم من ذلك، بالطبع، من الممكن أنها كانت على حق.
طرد إيان بوروما، محرر "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، بسبب نشره مقالا عن رجل متهم بسلسلة من الاعتداءات والتحرشات الجنسية، يدل على مخاطر حتى توفر منبرا للنقاش. غالباً ما يوضح مؤيدو "أنا أيضا" MeToo بصورة صائبة أن عديدا من الرجال البيض في مناصب السلطة متحيزون بمستوى متوسط لأنهم لم يصلوا إلى هذه المناصب إلا بسبب أنهم رجال بيض. لكن هذا لا ينطبق على بوروما. نحن الصحافيين نحاول وصف العالم، وهو يفعل ذلك أفضل من أي شخص تقريباً. إنه فطن للغاية بشأن الأمور المتعلقة بالجنسين: كتب الكثير عن كيف أن جنس الشخص يصيغ وجهة نظره حول العالم. اعترف بوروما بعد ذلك بأنه ربما أساء التصرف بنشره المقال، لكن بغض النظر عن ذلك: بغلطة واحدة ستتعرض للطرد. قالت الناقدة الثقافية لورا كيبنز: "الرقابة الذاتية هي الإجراء العملي الآن".
حاليا لدى الطلاب والمفكرين خيارات أفضل خارج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. الجامعات الصينية بدأت تنهض في العلوم. وربما تكون أستراليا قد تغلبت بالفعل على بريطانيا باعتبارها ثاني أكبر وجهة في العالم للطلاب الدوليين، وفقًا لبحث من كلية لندن الجامعية. يرتفع مستوى كندا (بمساعدة ترمب) والجامعات الأوروبية أيضًا توظف عالميا بصورة متزايدة. عندما نشأت في مدينة ليدن في ثمانينيات القرن العشرين، كانت مدينة جامعية خاملة، ومتوسطة المستوى ويغلب عليها اللغة الهولندية تقريبا. الآن هي جامعة تطغى عليها اللغة الإنجليزية، وتحتل المرتبة الـ 74 عالميا في تصنيف شنغهاي. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، سيكون لدى هولندا أكبر نظام جامعي باللغة الإنجليزية في الاتحاد الأوروبي.
على المدى الطويل قد يكون رأس المال الفكري الجديد الأكثر إثارة هو المدينة التي فقدت مفكريها تحت حكم هتلر؛ برلين. كان المفكرون الألمان قد بدأوا يتركزون بالفعل في العاصمة النابضة، البوهيمية، الرخيصة وبدأ الأجانب اللحاق بهم. في الشهر الماضي، مبادرة الامتياز للجامعات الألمانية الأكاديمية الجديدة في ألمانيا جعلت جامعات برلين أكبر الفائزين بسلسلة كبيرة من التمويل. ستفتح جامعة أكسفورد و"ويلكوم تراست" مكاتب في برلين. وتتباحث في الموضوع مؤسسات أخرى رائدة أمريكية وبريطانية. ستعرف أن المدينة مهمة عندما يكون هناك "برلين ريفيو أوف بوكس" بمستوى عالمي (باللغة الإنجليزية). يمكنهم أن يطلبوا من بوروما تحريرها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES