لماذا "المسلَّح" مع ارتفاع الحديد؟!

أ. د. علي بن سالم باهمام
[email protected]
احتضنت مدينة الرياض في الأسبوع الماضي (معرض البناء السعودي 2008)، وبهذه المناسبة تساءلت: لماذا نستمر في بناء غالبية مساكننا بنظام "المسلح" أو الهيكل الإنشائي بالخرسانة المسلحة، وتحمل التكلفة الكبيرة لحديد التسليح حتى مع ما تم من خفض نسبي في أسعاره أخيرا؟! وقررت أن أُخصص مقال اليوم للحديث عن أنظمة بناء المساكن وتقنياتها في المملكة. فقبل خمسة أو ستة عقود كانت المساكن في المملكة تُبنى من المواد الطبيعية المتوافرة في محيط المسكن، وبخبرات معلمي البناء أو "الأساتذة" مع مشاركة الأهالي في البناء، وحسب احتياج الأسرة الحقيقي وعلى قدر مقدرتها المالية. فكانت المساكن تتميز برخص تكلفة مواد بنائها، وانخفاض تكاليف العمالة، وصغر مساحتها بما يتوافق مع الاحتياج الحقيقي للأسرة، مع مرونتها وقابليتها للنمو المستمر، كما أن مواد البناء عند تهدم المسكن تتحول إلى مواد أولية يمكن إعادة استخدامها أو اندماجها مع البيئة دون أي أضرار بيئية.
ولكن مع بدايات النمو الاقتصادي في المملكة وما صاحبه من نمو إسكاني كبير زاد الطلب على المساكن بشكل عجزت معه أساليب البناء التقليدية عن توفير الطلب المتزايد والسريع على المساكن، فتحول تنفيذ المساكن من الطرائق التقليدية إلى ما يُعرف بـ "المسلَّح" أو البناء في الموقع بالنظام الهيكلي للخرسانة المسلحة. ونتيجة لاشتراطات - رخص البناء البلدية - البناءّ بالخرسانة المسلَّحة اختفت تقنيات البناء التقليدية، ومع توافر مواد البناء الأولية اللازمة للبناء بالخرسانة المسلَّحة، وظهور أعداد كبيرة من المقاولين المتمكنين من هذه التقنية، وتوافر العمالة المدرَّبة على إنجازها؛ أصبح "المسلَّح" نظامّ البناء السائد لتنفيذ المساكن في جميع مناطق المملكة.
ولكن "المسلَّح" أو نظام الخرسانة الهيكلية يتطلب مدة زمنية طويلة نسبياً للتنفيذ، وأعداداً كبيرة من العمالة الماهرة ذات الأجور المرتفعة، كما ينتج عنه هدر كبير لمواد البناء التي أخذت أسعارها في الارتفاع خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل مستمر ومتزايد، وهو ما رفع من تكلفة تنفيذ الوحدات السكنية، ومن ثم أصبح من الصعب على العديد من الأسر الحصول على المسكن المناسب وامتلاكه.
ولتمكين كثير من الأسر السعودية من امتلاك مسكن في حدود إمكانياتها المادية يلزم العمل على استحداث تقنيات بناء جديدة للمساكن، تراعي هدف خفض التكلفة وسرعة التنفيذ مع المحافظة على الجودة، وتوفيرها بعد ذلك على نطاق واسع في السوق المحلية. ولضمان انتشار تقنيات البناء الجديدة واقتناع الناس باستخدامها في مساكنهم؛ يتعيِّن في البداية على شركات التطوير الإسكاني وشركات المقاولات الكبيرة أخذ هذه المبادرة على عاتقها. كما يلزم التعريف بالتقنيات الجديدة من قِبَل الغرف التجارية في مختلف مناطق المملكة، وتوفير برامج التدريب المبسط لمؤسسات المقاولات الصغيرة، مع ضمان توفير المواد الأولية بشكل دائم في الأسواق.
وللبدء في هذا التوجه على أسس سليمة يتعيَّن على المطورين الإسكانيين وشركات المقاولات الكبيرة التوجُّه إلى المراكز البحثية والجامعات ودعمها مالياً للقيام بدراسات لحصر جميع أنظمة البناء "العالمية" المستخدمة في تنفيذ المساكن، وتحليلها بشكل علمي يراعي إمكانيات السوق السعودية، والمواد الخام المتوافرة بها، وملاءمتها للبيئة المحلية؛ لتحديد وترشيح الأنسب منها لتنفيذ المساكن بجودة أكبر وتكلفة أقل، وتطويرها بعد ذلك للتوافق مع احتياجات السوق ومتطلباتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي