وماذا بعد حملات الترشيد؟

[email protected]

لماذا نطلق حملات التوعية بالترشيد؟ ولماذا يظهر اهتمامنا وحرصنا على ترشيد استهلاك المياه أو الطاقة الكهربائية في أوقات الحملات فقط؟ ولماذا لا يظهر الإيجابي من سلوكياتنا وتصرفاتنا الحياتية إلا ردوداً للحملات فقط، وليس قيماً ثابتة ودائمة؟ ولماذا لا يكون الترشيد عادة ومذهباً نطبقه عن قناعة إيمانية بأننا مستخلَفون في هذه الأرض، ومطالبون بالحفاظ عليها، وعدم تلويثها، أو استنزاف مواردها؟ ألسنا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الداعي إلى ترك الإسراف في الوضوء - وهو: عبادة، وطهارة، ونظافة - حتى ولو كنا على نهر يجري؟
إن حرصنا على ترشيد استهلاكنا للمياه أو الكهرباء في مساكننا مطلب ديني ووطني وشخصي؛ فبالترشيد نحافظ على الأرض ولا نلوث بيئتها أو نستنزف مواردها الطبيعية، كما أننا ندعم اقتصادياتنا الوطنية ونحسن توظيفها واستثمارها، ونضمن كذلك استمرار بقاء المواد للأجيال المقبلة، وفوق كل ذلك نوفر على أنفسنا من قيمة الفواتير الشهرية للمياه والكهرباء.
ولكن إذا أردنا مطالبة السكان بالترشيد في استهلاك المياه والكهرباء والالتزام به؛ فيجب أن نعيَ أنه مهما بلغ حرصهم على الترشيد، وقناعاتهم بإيجابياته، وإيمانهم بأهدافه؛ فإنهم لن يعيشوا في الظلام الدامس لترشيد استهلاك الكهرباء اللازمة للإضاءة، ولن يكتووا بحرِّ الصيف ويعانوا قرّ الشتاء لترشيد الطاقة اللازمة لتشغيل أجهزة التبريد أو التدفئة، كما أنهم لن يتعذبوا باستخدام المياه الباردة للوضوء أو الاغتسال أو الاستحمام في أيام الشتاء القارس ولياليه لترشيد الكهرباء اللازمة لتسخين المياه؛ فكثير من مساكننا صُمِّمت ونُفِّذت بأساليب لم تراعِ مبادئ الترشيد في استهلاك المياه أو الكهرباء، وهناك كثير من الحلول والمعالجات التصميمية والتنفيذية التي لو أُخذ بها عند تصميم المسكن وتنفيذه لانخفض استهلاك السكان للكهرباء دون أن يضحوا براحتهم أو متطلباتهم المعيشية.
وللوصول إلى الهدف المنشود من الترشيد يجب أن تكون حملاتنا الترشيدية حملات تغيير جذري لإنتاج مساكن تمكِّن مستخدميها من ترشيد استهلاك المياه والكهرباء. فعلى كليات العمارة العناية بتوجيه معماريي أو "مهندسي" المستقبل إلى أهمية العناية بالحلول والمعالجات المناخية في التصميم، وتدريبهم على طرائق توفير الطاقة من البدائل المتجددة، وأساليب ترشيد استهلاك المياه وإعادة تدويرها. كما يتعين على وزارة الشؤون البلدية والقروية التعاون مع وزارة المياه والكهرباء وهيئة المواصفات والمقاييس لإصدار كود للبناء يعنى بضبط تصميم المساكن وتنفيذها بما يحقق الترشيد في استهلاك المياه والكهرباء. ويتعين على إدارة رخص البناء في الأمانات والبلديات الاهتمام بتحقق معايير ترشيد استهلاك المياه والكهرباء عند مراجعة التصاميم "المخططات" لإصدار الرخص؛ اهتمامها بمراجعة نسب البناء والارتدادات. كما أن على المواطنين العناية بقضية جودة تصميم مسكانهم وتنفيذها فيما يخص المعالجات المناخية، والعزل الحراري، واستخدام الإضاءة الطبيعية، وتوفير الأجهزة التي تعمل بالطاقة المتجددة، وترشيد استهلاك المياه وإعادة تدويرها؛ عنايتهم بكبر المجالس، وبفخامة حمامات الضيوف ومغاسل أيديهم، وفخامة زخارف المسكن ومظهره الخارجي. عندها .. وعندها فقط سوف تصبح مساكننا صديقة للبيئة، مرشدة لاستهلاك المياه والكهرباء، وذات جودة نوعية أفضل دون الحاجة إلى حملات التوعية العلاجية المؤقتة.
أستاذ العمارة والإسكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي