أوضاعنا الاقتصادية.. من يجرؤ على تضليل الناس؟
في الأمس قلت إننا لن نكون معزولين عن التأثيرات المالية العالمية، فنحن نصدّر سلعة بدأت أسعارها تتراجع، وهذا التراجع ربما يؤثر في خطط الإنفاق التوسعية التي نتطلع إليها لتعزيز البنية الأساسية، هذه مؤشرات يجب الاستعداد لها، ونحن نملك من المقومات الحقيقية الاقتصادية التي تجنبنا – بحول الله – أية هزات رئيسية، والمسؤولون الذين يتحدثون عن الحقائق، بالذات سلامة السيولة في القطاع البنكي، إنما يشيرون إلى حقائق، والقطاع البنكي السعودي لا يدار بسرية فهناك العشرات من المسؤولين والموظفين الذين يديرون هذا القطاع، ولن يتجرأ أي مسؤول أن يقول كلاما للناس لا تسنده الحقائق.
الاستعداد للأزمات ضروري.. ولكن الذي نخشاه هو الهلع غير المبرر الذي قد يجرنا إلى المشكلات، فقد ندخل في مشكلة نحن بعيدون عنها، وقد تجر تأثيراتها إلى اقتصادنا رغم أن هذه التأثيرات قد لا تصل، فربما تستطيع الدول الكبرى السيطرة على الأزمة وإيقاف تأثيراتها في الاقتصادات الناشئة.
العارفون بأوضاعنا الاقتصادية يدركون أننا نستطيع أن نستوعب التأثيرات لهذه الأزمة إذا توسعت دوائرها بعيدا عن أمريكا وأوروبا، وهذا احتمال وارد وربما يكون غير ذلك، فالقطاع البنكي لدينا متشدد في سياسات الإقراض وقد تعلمت البنوك درسا قاسيا من الطفرة الأولى، بل البنوك تلام بشدة على عدم توسعها في الإقراض للمشاريع، وتضع شروطا قاسية لإقراض الأفراد، وحتى الشركات العاملة في قطاع التقسيط هي الأخرى لديها شروطها الصعبة للإقراض.
الذي فاقم المشكلة في أمريكا وأوروبا هو مناخ التسهيلات الواسع للإقراض، وحكومة الرئيس بوش أجازت قوانين تسهل للمؤسسات المالية التوسع في الإقراض، وهذا أحد الأخطاء القاتلة لسياسة بوش، وقد صورت على أنها مكافأة من الرئيس لأباطرة أسواق المال، لقاء ما قدموه من دعم لحملته الانتخابية ولسياسات المحافظين الجدد.
لقد سهلت القوانين في أمريكا، وحتى أوروبا، الاقتراض لكل شيء، فأصبح الإقراض هو ممول الاستهلاك في الكماليات وليس في الأساسيات، وأصبح الناس يقترضون ليشتروا بيوتا للمضاربة بها وليس للسكن وهذا دفع بأسعار المساكن إلى أسعارها العالية التي لم تقاوم ثم انهارت.
وشروط الإقراض أصبحت ميسرة لدرجة أن الناس تأخذ شهادات بالدخل من شركات لا تعمل فيها وتقبلها البنوك والشركات المقرضة، دون التأكد من الملاءة المالية والقدرة على السداد.
كل الذي نرجوه هو أن نفكر بهدوء فالحكومة ومؤسساتها ليس لديها ما تخفيه عن الناس، وقد عودتنا الدولة أن تكون صريحة في الأمور التي تمس الاستقرار، وأحداث الإرهاب تؤكد هذا المبدأ، فقد كانت الحقائق متاحة ولم يقلل حجم المشكلة لأجل الاستعراض بالثقة بالنفس، بل وضعت الحقائق كاملة عن المشكلة، وهذا هو الذي جعل المجتمع، قبل الحكومة، يتصدى ويقف للإرهاب ويحتويه.