المستشرقون عند العرب (2)

[email protected]

نكمل أيضاً مع موضوع الاستشراق، تحدثنا في المرة السابقة عن مفهوم وتعريف الاستشراق لدى كتب الإسلاميين والمناهج التعليمية في الشرق، ونعود الآن لنتحدث عن المفهوم الأشمل للاستشراق، وأنا هنا قلت إنه "الأشمل "ولم أقل إنه "الأصح "لأنه دائماً ليس على الأمر أن يكون صحيحاً لمجرد أننا آمنّا بذلك.

بحثت في أكثر من كتاب يتحدث عن الاستشراق والمستشرقين ولم أجد عبارة أدقّ من العنوان الذي كتب علي غلاف كتاب "الاستشراق "لإدوارد سعيد بالنسخة التي ترجمها الدكتور محمد عناني حين كتب "المفاهيم الغربية للشرق "، فعلاً فالاستشراق باختصار لدى كل مستشرق هو مفهومه الغربي للشرق، والرؤية التي يرى الشرق فيها، وهدفه من الدراسة.
تعرفت على العديد من إجازات المستشرقين الرائعة من خلال عدة كتب، أبرزها لدي هو كتاب "النساء في لوحات المستشرقين " للباحث لين ثورنتون، و الذي تحدث فيه عن تاريخ الفن التشكيلي الاستشراقي منذ بدايته، وعلاقة كتاب ألف ليلة و ليلة بنشأة هذا الفن، وعن أبرز لوحات المستشرقين و مفهومها و تاريخ رسمها، و الأحداث القديمة التي أدت إلى انتشار فن الرسم الاستشراقي لدى الغرب، و لفت نظري في البحث اهتمام التشكيليين بالجمال الشرقي من أزياء و طقوس و ملامح ما أدى بهم إلى محاولة تجسيده و العمل على ذلك في لوحاتهم لنقل هذا الجمال.
أما الكتاب الآخر فهو كتاب "الاستشراق الروسي" للدكتور عبد الرحيم العطاوي، الذي تحدث فيه منذ البداية عن دخول الإسلام في روسيا وحروب التتار، والغريب أن هناك حقائق تاريخية كبيرة مغيبة عن كتبنا ذكرت في هذا الكتاب، و من ثم تحدث عن الدراسات الاستشراقية التي قام بها مستشرقون روسيون، و كيف كان اهتمام "بطرس الأول " بالشرق و قد تأسست أول مطبعة للغة العربية في عهده وبناء على طلبه و من ثم تحدث عن الجامعة التي درّست الاستشراق فيها.

هناك جهود كبيرة إذاً بذلت من قبل مستشرقين بالدراسات و البحث والفن من أجل الشرق، وسعت من حضارتهم، نقلت ثقافتهم، و مما لا يستطيع أحد إنكاره أن هناك دراسات كثيرة أفادت الشرق قام بها المستشرقون الغرب خاصة تلك التي لم تكن نواياها تستهدف الإساءة للشرق.
إذاً الأمر لدى الشرق و الغرب هنا أصبح عملية تبادل، و هي العملية التي تحتاج إليها كل حضارة لتتوسع و تنتقل بين الحضارات الأخرى، و كذلك قد تضيف إلى نفسها مع الرؤى الأخرى، نحنُ الآن إذاً بحاجة إلى تصحيح مفهوم " الاستشراق " لدينا، و بحاجة إلى أن نعي أهمية الجهود التي يقوم بها الغرب من أجلنا حتى لو اختلفنا في الدين ما دام ما يقومون به لا يمس ديننا و لا يسيء إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي