FINANCIAL TIMES

صناعة التكنولوجيا على الأرض تنطلق لاستكشاف الفضاء

صناعة التكنولوجيا على الأرض تنطلق لاستكشاف الفضاء

من الأفضل وصف الحدث بأنه أشبه ما يكون برقصة باليه، كونه باليها باليستيا. الأسبوع الماضي، اخترق أقوى صاروخ في العالم الطبقة العُليا من الغلاف الجوي من منصة إطلاق في فلوريدا.
لم تنج الحمولة من الإطلاق فحسب، بل إن المُعززات ذات الجانبين عادت في وقت لاحق بأمان، إلى منطقة الإطلاق في تزامن مثالي.
الظهور الأول المذهل لفالكون هيفي، الذي بنته شركة سبيس إكس، من المحتمل أن يفتح مساحات عميقة للصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام، ما يجعل الاستكشاف مجديا تجاريا. على أنه قد يعود إلى تفوق القطاع الخاص في مجال غير محدود احتكرته الحكومات فيما مضى.
شركة سبيس إكس هي اللعبة المكلفة لإيلون موسك، المؤسس المشارك الملياردير لشركتي بايبال وتسلا (الحمولة كانت سيارته تسلا رودستر مع نموذج عرض لها في الأمام، كلتاهما الآن متوجهتان للانزلاق حول النظام الشمسي إلى الأبد).
لا توجد وكالة فضاء فيدرالية يُمكن أن تفعل حالياً ما فعلته سبيس إكس. ربما بحسب تعبير ماركس، المشاريع الخاصة استولت على وسائل الدفع.
نحن في عصر جديد عندما يتعلق الأمر بسياسات التكنولوجيا، التقاطع بين التكنولوجيا والسياسة.
في حين أن سباق الفضاء الأصلي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد أظهر المثل العليا السياسية في كل بلاد من خلال البراعة التكنولوجية، إلا أن تحقيق هذا النجاح بين الابتكار والأيديولوجية يعطينا شعوراً مختلفاً اليوم.
يتمتع سادة التكنولوجيا لدينا بسلطة ونفوذ على الإنسانية أكثر من أي وقت مضى - مع تدقيق قليل نسبياً. مسألة ما إذا كان نوعنا سوف يستعمر كوكبا آخراً - واحد من أهم القرارات التي يُمكن أن يتخذها البشر - يبدو من المحتمل اليوم أن تعتمد على نزوة صاحب مشاريع، ربما موسك، أكثر من أي رئيس.
التكنولوجيا تتداخل مع السياسة بعدة طرق: التكنولوجيا هي عامل تمكين، يسمح للذين خارج التيار الرئيس بدخول المحادثة، لكن يُمكن استخدامها أيضاً لاختراق أو تشويه تلك المحادثة. في الانتخابات الأمريكية عام 2016، تم استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لنشر معلومات سياسية - وتضليل. حيث أصبح موقعا تويتر وفيسبوك موزعين رئيسين للأخبار السياسية المصممة خصيصاً، ما وضع قوة سياسية هائلة في أيدي عدد قليل من الشركات - ما أوجد فرصاً للتلاعب الخبيث. بالطبع، يُمكن استخدام التكنولوجيا بوضوح أكثر لأغراض سياسية، على شكل عدوان على الإنترنت. بإمكان بلد واحد إطلاق الفوضى من خلال اختراق أنظمة المعلومات والبنية التحتية في بلد آخر؛ هذا، كما تقول مؤسسة راند، هو تهديد قاس على نحو متزايد للاستقرار العالمي.
يُنظر إلى روسيا والصين بأنهما الجناة الرئيسيين، حيث يبدو أنهما متحدتان من خلال الرغبة في تقويض الديموقراطية الغربية.
الثروات الكبيرة المُحققة في سيليكون فالي تسمح لأصحاب المشاريع بطمس حدود السياسية التكنولوجية أكثر بكثير: أهداف موسك المتواضعة تشمل إنقاذ البشرية واستعمار كوكب المريخ.
تلك التطلعات، إلى جانب فطنته التجارية، وضعته في مجالس استشارية في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
يُشارك موسك ميلاً للكوكب الأحمر مع الرئيس، الذي يحلم بإرسال أمريكيين إلى المريخ (القمر أصبح قديماً من القرن الماضي).
بسبب تقليص برنامج الرحلات الفضائية في وكالة ناسا، يجب أن يعتمد ترمب على مبادرة القطاع الخاص لتحقيق الهدف العام.
هناك، في الواقع، أسباب أقل غروراً لإعادة النظر في الحدود النهائية. يضع البنتاجون الآن الفضاء ضمن قوائم "مجال الحروب".
يُقال إن كلا من روسيا والصين تستهدفان أصول الفضاء الأمريكية، حيث يُقال إن بوتين حريص على تطوير صاروخ كبير جداً.
الصين الواثقة للغاية تُريد إرسال روّاد فضاء لاستكشاف القمر ومن ثم إلى المريخ (على الرغم من أن تحديثها لأسطول صاروخ لونج مارش، قد تعثر بعد عملية الإطلاق الفاشلة العام الماضي).
الآن تملك شركة سبيس إكس أقوى منصة إطلاق في العالم - على الرغم من أنها ليست قوية بقدر صواريخ ساتيرن في التي أرسلت رواد فضاء أبوللو إلى القمر - أهميتها لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية من المرجح أن ترتفع.
لقد جعلت نفسها بالفعل غير قابلة للاستغناء دولياً من خلال تسليم البضائع إلى محطة الفضاء الدولية. عندما يتعلق الأمر بما يُمكن أن تُحققه الولايات المتحدة في الفضاء، من العدل القول إن موسك يتمتع بنفوذ متزايد.
الفضاء هو ساحة مثالية لقيام أصحاب المليارات بتمثيل أحلامهم في مجال السياسة التكنولوجية (طالما أنها تتوافق مع تراخيص إطلاق إدارة الطيران الفيدرالية) - الحوكمة غير واضحة.
من الصعب تتبع ما يجري هناك. قد يكون ممتعاً، بيد أنه غير دقيق تماماً وصف حمولة فالكون هيفي الغريبة بأنها خردة فضاء (لحسن الحظ، إنها بعيدة جداً للتشويش على الأقمار الصناعية في المدار).
كما في الغرب المتوحش والفضاء السيبرالي، يُمكن أن يعمل أول المستكشفين بحصانة نسبية. المعاهدات والقواعد الدولية وُضعت قبل عقود من الزمن لوكالات الفضاء الوطنية، وليس لما يُسمى صناعة نيوسبيس (الفضاء الجديد) اليوم.
بدأت الهيئات التنظيمية تتنبه للحاجة إلى مزيد من الرقابة، ولا سيما في الوقت الذي ندخل فيه عصر نشاط الفضاء الجديد الهادف للربح.
بالتالي دعونا نصفق لشركة سبيس إكس على تحقيقها الملهم – وهي نتيجة الطموح الفلكي، والحذق التجاري والهيمنة الهندسية.
دعونا نشعر بالعجب من الذكاء اللماح وراء كل ذلك. في المقابل، دعونا أيضا نتذكر أن السياسة التكنولوجية تتجه بجرأة نحو مجالات لم نذهب إليها قط من قبل: إنها شركة تكنولوجيا خاصة - وليست حكومة - أصبحت أكثر ارتباطا بفكرة توسيع الانتشار الكوني لجنسنا البشري.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES