معالجة التضخم تخطت فك ارتباط الريال بالدولار

[email protected]

تتجدد مطالب الاقتصاديين السعوديين بين الحين والآخر، بما في ذلك أعضاء من مجلس الشورى السعودي للحكومة السعودية بإعادة النظر في السياستين المالية والنقدية، وبالذات بالنسبة للسياسة النقدية وبالتحديد فيما يتعلق بموضوع فك ارتباط الريال بالدولار الأمريكي وربطه بسلة عملات رئيسة كأحد الحلول للتعامل مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، التي تستوردها المملكة من الخارج وبالذات من منطقة اليورولاند واليابان ودول الشرق الأقصى.
من بين أبرز الأسباب التي حدت بالاقتصاديين المحلين وأعضاء مجلس الشورى إلى المطالبة بفك الارتباط بين الريال والدولار الأمريكي: (1) التخفيف من حدة التضخم الذي يعانيه الاقتصاد المحلي، ولا سيما أن معدل التضخم في السعودية، سجل ارتفاعا غير مسبوق خلال العامين الماضيين، حيث قد قفز معدل التضخم السنوي في نيسان (أبريل) الماضي من العام الجاري إلى أعلى مستوى له في 27 عاما، مسجلا نحو 10.5 في المائة، نتيجة للزيادات التي طرأت على أسعار الإيجارات والسلع الغذائية. (2) الحد من انخفاض قيمة الريال السعودي نتيجة للانخفاض في قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسة وبالذات أمام اليورو بنحو 30 في المائة، مما رفع من قيمة السلع التي تستوردها المملكة بالنسبة نفسها من خارج أمريكا، وبالذات التي تستوردها من منطقة اليورولاند. (3) الحد من التأثير السلبي على انتظام وتيرة مسيرة التنمية التي تعيشها البلاد، وبالذات فيما يتعلق بتنفيذ المشاريع الأساسية في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء. (4) الإسهام في إعطاء السياسة النقدية المحلية الاستقلالية الكاملة عن الدولار وتأثيرات سياسات البنك المركزي الأمريكي على سياسات تحديد أسعار الفائدة. (5) تمكين السلطتين النقدية والمالية المحليتين من التعامل مع المستجدات والمتغيرات الاقتصادية الحالية والمستقبلية بأسلوب يبعد عن التأثر بتوجهات الدولار الأمريكي أو توجهات السياستين النقدية والمالية الأمريكيتين.
على النقيض من المطالبة بفك ارتباط الريال بالدولار، هناك عدد من الاقتصاديين المحليين يطالب بالإبقاء على الربط بين الريال والدولار الأمريكي من منطلق الأهمية التجارية والعلاقات الاستراتيجية التي تربط الاقتصاد السعودي بالاقتصاد الأمريكي، ولا سيما حين النظر إلى حجم الواردات السعودية من السلع والخدمات من أمريكا، ولكون الجزء الأكبر من الإيرادات السعودية المتولدة عن بيع النفط يتم تقيمها وتقديرها بالدولار الأمريكي، كما أن جزءا كبيرا من المدفوعات العامة يتم تقييمها كذلك بالدولار الأمريكي، مما يساعد الدولة في إدارة تدفقاتها النقدية الداخلة والخارجة وبالذات في ظل ثبات صرف سعر الريال السعودي مقابل الدولار، كما أن ذلك الربط يحقق للحكومة السعودية درجة كبيرة من المرونة، المرتبطة بتحقيق مستوى إيرادات معين والسيطرة في الوقت نفسه على قيمة المصروفات العامة بالدولار.
عدد آخر من الاقتصاديين يطالب برفع قيمة الريال مقابل الدولار الأمريكي بنسبة تساوي قيمة الانخفاض نفسه التي طرأت على قيمة الدولار الأمريكي خلال العامين الماضيين التي تقدر، وكما أسلفت بنحو 30 في المائة، مما سيحسن من قيمة الريال وبالتالي من قوته الشرائية، وبالذات أمام العملات الرئيسة الأخرى، وسيعمل كذلك على التخفيف من حدة ارتفاع فاتورة الاستيراد، ولكن في المقابل هناك من يعتقد أن رفع قيمة صرف الريال السعودي أمام الدولار، سينعكس بالعديد من السلبيات الاقتصادية على الاقتصاد السعودي، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، فقدان الصادرات السعودية غير النفطية بعض ميزاتها التنافسية بسبب ارتفاع أسعارها، هذا إضافة إلى خسارة الخزانة العامة للدولة مليارات الريالات بسبب انخفاض قيمة العوائد النفطية، كما أن ذلك الرفع لقيمة الريال، سيتسبب في انخفاض قيمة الأصول والاستثمارات التي تملكها الحكومة والتي يمتلكها كذلك الأفراد والقطاع الخاص.
الأصوات الاقتصادية التي تنادي برفع قيمة الريال السعودي أمام الدولار الأمريكي، تهدف إلى التخفيف من معدل التضخم الذي يعانيه الاقتصاد السعودي، وفي الوقت نفسه التخفيف من معاناة المواطن والمقيم نتيجة للانخفاض الذي سيشهده عدد من السلع المستوردة من الدول الأوروبية واليابان وغيرها.
خلاصة القول، إن مسألة فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، أو رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، أو حتى ربط قيمة الريال بسلة من العملات الرئيسة، في رأيي من بين أصعب المسائل والقرارات الاقتصادية، التي يمكن للحكومة السعودية أن تتخذها أو أن تتعامل معها، ولا سيما كما أسلف أن لكل اتجاه مساوئه وفوائده، ومن هذا المنطلق فإن الحاجة للموازنة بين هذه الحلول المتناقضة والمتشابكة أمر يعد في غاية الأهمية، ولا سيما حين النظر إلى العلاقات التجارية الاستراتيجية الطويلة، التي تربط بين السعودية والولايات المتحدة من جهة، ومصلحة الاقتصاد السعودي من جهة أخرى، كما أن التعقل في اتخاذ قرار فك ارتباط الريال بالدولار من عدمه، يتطلب قدرا كبيرا من الحنكة الاقتصادية، ولا سيما أن البعض يعتقد أن ذلك الفك سيعمل على القضاء على التضخم، الذي تعانيه السعودية، متناسيا في ذلك أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تسهم بشكل كبير في التضخم الذي تعانيه السعودية، التي هي في حاجة للتعامل معها بالسرعة المطلوبة، مثال النمو المتسارع للاقتصاد، وارتفاع مستويات السيولة، والزيادة في الإنفاق الحكومي، والزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات، والله من وراء القصد.

مستشار وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي