تحديد سعر عادل لبرميل النفط .. مسؤولية من؟
الاختلاف التاريخي والجدل القائم في الوقت الراهن بين المنتجين والمستهلكين للنفط بخصوص تحديد سعر عادل لبيع برميل النفط، مرده تباين وجهات النظر فيما بينهما حول العوامل، التي تتسبب وتؤثر بشكل ملحوظ في ارتفاع أسعار النفط العالمية، التي شهدت أخيراً ارتفاعاً كبيراً غير مسبوق، وبالذات في أواخر النصف الأول من العام الجاري، حيث قد تخطت أسعار بيع سعر البرميل من النفط 139 دولارا، مسجلة بذلك ارتفاعا بلغ خمسة أمثال ما كانت عليه الأسعار في عام 2003.
نتيجة لذلك الاختلاف وبالتحديد في الحالات التي تشهد فيها أسعار النفط العالمية ارتفاعات تصاعدية غير مبررة من وجهة نظر الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط، ترتفع وتيرة توجيه الاتهامات من تلك الدول، للدول المنتجة للنفط، وبالذات للدول الأعضاء بمنظمة أوبك، وتحميلهم مسؤولية ارتفاع الأسعار، باعتبارهم من وجهة نظرهم غير قادرين على زيادة الإنتاج بالحدود وبالمستويات، التي تحد من ارتفاع الأسعار من جهة، والتي تعمل في الوقت نفسه على سد الفجوة بين العرض والطلب على النفط من جهة أخرى، وذلك من خلال التوسع في برامج التنقيب واستكشاف النفط، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الأسعار. وفي المقابل ترى الدول المنتجة للنفط، أن أسباب ارتفاع أسعار النفط خارجة عن إرادتها وسيطرتها وليس لها علاقة بها، ولا سيما حين النظر إلى كفاية الإمدادات من النفط في الأسواق وانسيابية تدفق النفط للأسواق العالمية، الأمر الذي يؤكد عليه أن إنتاج منظمة أوبك للنفط في الوقت الراهن يتجاوز حدود طاقتها الإنتاجية القصوى، نتيجة لتجاوبها في أكثر من مناسبة لسد حاجة السوق من النفط، بهدف تقليص الفجوة بين العرض والطلب من جهة، والحيلولة دون ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر من جهة أخرى.
مجلس الوزراء السعودي بجلسته المنعقدة بتاريخ 9 حزيران (يونيو) من العام الجاري، أكد أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط ليس له ما يبرره من حيث المعطيات البترولية وأساسيات السوق، ولا سيما في ظل ما هو متوفر من عرض كاف من البترول ومخزون تجاري متزايد، كما قد أكد أن المملكة بالتنسيق مع دول "أوبك" والدول الرئيسية المنتجة للنفط تعمل على ضمان استمرار توافر الإمدادات البترولية حالياً ومستقبلاً، والعمل أيضاً على عدم ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر وغير طبيعي قد يؤثر في الاقتصاد العالمي، وبالذات في اقتصادات الدول النامية، ومن هذا المنطلق واستشعاراً من المملكة تجاه مسؤوليتها الدولية للعمل على استقرار الإمدادات من النفط بأسعار عادلة، دعت المملكة إلى عقد اجتماع جدة للطاقة في محافظة جدة، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتاريخ 22 حزيران (يونيو) من العام الجاري، الذي جمع بين المنتجين والمستهلكين الرئيسيين، بما في ذلك جميع الشركات العاملة في مجال النفط، بهدف مناقشة وتدارس أوضاع سوق البترول الدولية والارتفاعات في أسعار النفط العالمية، وبحث سبل التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة، بما في ذلك المنظمات الدولية ذات العلاقة وشركات البترول الرئيسية للتعامل مع هذه الظاهرة.
في رأيي أن اجتماع جدة للطاقة قد جاء انعقاده في توقيت مناسب للغاية، ولا سيما في ظل الظروف الراهنة، التي وكما أسلفت شهدت فيها أسعار النفط أواخر النصف الثاني من العام الجاري ارتفاعات مطردة غير مبررة، تجاوزت نسبتها الـ 40 في المائة منذ كانون الثاني (يناير) 2008، ولكن لكي تتحقق الفائدة المرجوة من مثل هذه الاجتماعات ومن مثل هذه الحوارات بين المنتجين والمستهلكين للنفط، لا بد من تكاتف الجهود فيما بينهما، وبالذات فيما يتعلق بالعمل مما جنبا إلى جنب للقضاء على العوامل التي تعبث باستقرار الأسعار بالسوق، التي لعل من بين أبرزها وأهمها المضاربات الاستثمارية الوهمية فيما يعرف بالبراميل الورقية، التي يمارسها عدد كبير من المضاربين بهدف تعظيم الأرباح من خلال تعويض الانخفاض في قيمة السيولة بسبب انخفاض سعر الدولار، كما أنه يجب على الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط، أن تسعى سعياً حثيثاً لترشيد استخدامات النفط في المجالات المختلفة، بما في ذلك التخفيض من قيمة ضريبة الطاقة أو ما يعرف بضريبة الكربون، التي تفرضها معظم الدول الصناعية الكبرى لأهداف بيئية على حد زعمهم، التي تسهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار، ولا سيما حين النظر إلى قيمتها المرتفعة التي تضر بالمستهلك النهائي، حيث تجني، على سبيل المثال لا الحصر، بريطانيا جرّاء فرض ذلك النوع من الضريبة نحو 14 مليار دولار سنوياً، بينما تجني النرويج نحو 21 مليار دولار سنوياً.
من القضايا كذلك المطلوب التعامل معها من قبل الدول المستهلكة للنفط خلال المرحلة المقبلة، التي تؤثر في ارتفاع أسعار النفط، مشكلة محدودية القدرة التكريرية بعدد من دول العالم، إضافة إلى التوسع في إنتاج ما يعرف بالوقود الحيوي من خلال استخدام بعض المنتجات الزراعية، التي تستخدم مثلاً في إنتاج "الإيثانول"، حيث إن ذلك السلوك لا يؤثر فقط في ارتفاع أسعار النفط، بل إنه يؤثر كذلك في استتباب الأمن الغذائي العالمي.
خلاصة القول، إن ضمان استقرار أسعار النفط العالمية والمحافظة على مستويات عادلة للأسعار تحافظ على مصالح المنتجين والمستهلكين للنفط، على حد سواء، يتطلب من المنتجين والمستهلكين التعاون الحثيث فيما بينهما للقضاء على الأسباب غير الحقيقية وغير الواقعية، التي تسهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار خلاف قوى العرض والطلب والحاجة الحقيقية للنفط، ومن هذا المنطلق فإن المحافظة على استمرار الإمدادات واستقرار الأسعار. في رأيي يعد أمراً ومسؤولية مشتركة فيما بينهما، لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل المسؤولية لطرف دون الآخر، نظرا لكون الطرفين لهما مصالح مشتركة في استقرار الإمدادات من النفط في السوق، بما في ذلك الأسعار، وبالله التوفيق.