التعاون النفطي لا يكون إلا فيما يمكن السيطرة عليه

[email protected]

1- انخفاض الطلب على النفط: هناك أدلة كثيرة على انخفاض نمو الطلب على النفط، كما أن هناك أدلة على تخفيف الأمريكيين لقيادة السيارات بسبب ارتفاع البنزين. يرى البعض أن ما نراه الآن هو تغير هيكلي سيقود إلى تخفيض كبير في أسعار النفط. لكن التحليلات الإحصائية لأسعار النفط خلال الـ 30 سنة الماضية تشير إلى أن انخفاض الطلب في الأسابيع الأخيرة يعود إلى ردة فعل قوية على الارتفاع الكبير والمفاجئ في الأسعار. ما كنا لنرى ردة الفعل نفسها لو حدثت الزيادة ذاتها في فترة طويلة من الزمن. لذلك فإن استمرار أسعار النفط بالارتفاع بشكل سريع وكبير مضر بالسعودية، وحصة النفط في أسواق الطاقة، وحصة السعودية في أسواق النفط.

2- اجتماع جدة: يعكس اجتماع جدة المصالح السعودية أولا وأخيرا، التي تصب في النهاية، حسب الأوضاع الحالية، في مصلحة العالم ككل. ارتفاع الأسعار بالشكل الذي رأيناه في الأسابيع الأخيرة ليس من صالح السعودية. مصلحة السعودية الاقتصادية والسياسية تقتضي استمرار نمو الاقتصاد العالمي، واستمرار النفط كأحد مصادر الوقود الأساسية في العالم، واستمرار السعودية كأكبر منتج ومُصدّر للنفط في العالم، وتفادي الصدام مع الدول المستهلكة، خاصة الدول التي تتمتع بقوة عسكرية جبارة في المنطقة. مصلحة الأجيال القادمة تتطلب العمل على استمرار الطلب على النفط في المستقبل، لأن النفط في باطن الأرض لا قيمة له إلا إذا كان هناك طلب عليه، وهذا لايتم إلا إذا كانت الأسعار معتدلة. المحيِّر في الأمر أن فكرة المقالات التي نشرت في الصحف السعودية في الفترات الأخيرة مطالبة بتخفيض الإنتاج لحفظ النفط للأجيال المستقبلية تتناقض مع فكرة تنويع مصادر الدخل التي يدعو لها كتاب هذه المقالات أنفسهم. إن أسوأ مستقبل لدول الخليج هو أن تظل الأجيال المقبلة معتمدة على النفط كمصدر أساس للدخل. إن أفضل ما يمكن أن نقدمه للأجيال القادمة هو بناء اقتصاد معرفي ومدارس وجامعات تنافس المدراس والجامعات العالمية. إن أفضل سياسة يمكن اتباعها هي سياسة تحويل النفط إلى عقول. فالنفط ينضب، والعقول لا تنضب. قيمة النفط تهبط وترتفع، قيمة العقول ترتفع باستمرار. النفط لا يُنْتَج إلا في أماكن وجوده، العقل يُنْتِج في أي مكان. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل نحن مؤهلون حالياً لبناء الاقتصاد المعرفي وتحسين أحوال الجامعات والمدارس؟

3- التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة: حَمّل كثير من الكتاب والمحللين اجتماع جدة أكثر مما يحتمل، رغم أن السياسة الرسمية للاجتماع أن يتم التركيز على أمور معينة. لو نظرنا إلى ما كتب في الصحافة السعودية حول اجتماع جدة لوجدنا أن المطالب كثيرة وعديدة، بينما تطلب الدول المستهلكة شيئا واحدا فقط: المزيد من النفط. الخلافات بين الدول المنتجة والمستهلكة كبيرة، ومن الصعب أن يتفقوا حتى على المصالح المشتركة. ولكن حتى لو اتفقت الأطراف المختلفة على العمل معا على المصالح المشتركة، فإن الشرط الأساسي لنجاح هذا التعاون هو أن يتم التركيز على الأدوات التي يسيطر عليها المشاركون في المؤتمر، وليس على أدوات لايسيطرون عليها. ما يمكن السيطرة عليه هو مستوى الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المنتجة، ومستوى المخزون التجاري الذي تملكه الشركات، ومستوى المخزون الاستراتيجي الذي تملكه حكومات الدول المستهلكة. كل الأمور الأخرى لا يمكن السيطرة عليها ولا فائدة من التركيز عليها. مثلا، وزارات الطاقة في الدول المستهلكة لا علاقة لها بالضرائب المفروضة على المشتقات النفطية في هذه الدول، ولاعلاقة لها بتنظيم الأسواق المالية، ولا علاقة لها بالسياسات النقدية للبنك المركزي. لا يمكن لوزير النفط في دولة نفطية أن يطالب وزير الطاقة الأمريكي مثلا بتخفيف الحظر الاقتصادي على إيران. هذا من اختصاص وزارة الخارجية. ولا يمكن لوزير النفط في دولة (أوبكية) أن يطالب وزير الطاقة الأمريكي برفع الدولار، لأن هذا من اختصاص البنك المركزي ووزارات المالية والتجارة. إن الأولى بالكتاب الذين طالبوا اجتماع جدة بالتركيز على قيمة الدولار أن يركزوا على طرق تسعير النفط، لأنه يمكن لأي مواطن أمريكي أن يرد عليهم بقوله: ما ذنبي أنا، أنتم الذين تسعرون نفطكم بالدولار. وفي المقابل، لا يمكن لوزير الطاقة الأمريكي أو غيره مطالبة وزير النفط النيجيري بإرسال الجيش للحفاظ على الأمن في منطقة الدلتا، ولا يمكنهم مطالبة وزير النفط الإيراني بوقف برنامج إيران النووي، ولا يمكن لوزير ياباني أن يطالب وزير النفط السعودي بأن يخفض السعوديين من استهلاكهم للأرز حتى تنخفض أسعار الأرز في العالم.
4- تذبذب أسعار النفط: تذبذبت أسعار النفط بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، ولكنها ظلت قريبة من مستوياتها القياسية. من الصعب جداً، خاصة في الظروف الحالية، أن تنخفض أسعار النفط. ولا يمكن التعاون على "تخفيض" أسعار النفط لأسباب سياسية واقتصادية وطبيعية، أغلبها لا يمكن لمسؤولي الطاقة في البلاد المنتجة والمستهلكة التحكم فيها. إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتم التعاون فيه هو تخفيض ذبذبة أسعار النفط، بغض النظر عن مستويات الأسعار. فالدول المستهلكة تستطيع أن تتعايش مع الأسعار المرتفعة، ولكنها لا تستطيع التعايش مع الذبذبة الكبيرة في الأسعار. استقرار الأسعار، عند أي مستوى، مفيد للدول المنتجة والمستهلكة وشركات النفط. وتشير التحليلات الإحصائية إلى أنه لا يمكن أن تستقر أسعار النفط إلا إذا كانت الطاقة الإنتاجية الفائضة والمخزون النفطي في الدول المستهلكة فوق حدود معينة في الوقت نفسه. مثلا، انخفاض الطاقة الإنتاجية الفائضة وارتفاع المخزون في الدول المستهلكة لن يسهم في استقرار الأسعار. بما أن "الطاقة الإنتاجية الفائضة" في الدول المنتجة و"المخزون" في الدول المستهلكة، فإنه لا بد من التعاون بينهما لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط عن طريق التحكم في هاتين الأداتين، كل ماعدا ذلك لن يؤثر في أسواق النفط على الإطلاق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي