مهازل الحقوق .. عربياً !

[email protected]

مازال المُسلسل العربي ذاته يسير في موكبه، تعلّمنا منذ سنوات طويلة " وأصبحت شهادة للعرب! " بألاّ نحتفي من أدبائنا ومفكرينا ومثقفينا إلاّ بالموتى منهم، بعد أن يرحلوا عنّا وقد كانوا يعيشون بهمّ أن تصل أصواتهم عالياً، ولا تُسمع إلاّ بعد أن يغيبوا.
المرير في الأمر أنه لم يتوقف عند هذا الحد، إنّما بدأ ومنذ سنوات قريبة مسلسل مُخجل مُضحك مبك آخر، ألا وهو استباحة حرمة هؤلاء المثقفين حتى بعد موتهم، وبدأت تُهدر وتُنتهك بعض حقوقهم الفِكرية والإنسانية دون أدنى احترام لحياتهم التي عاشوها من قبل بكرامة، والتي بالتأكيد كانوا يرغبون في أن يحتفظوا بكرامتهم هذه حتى بعد الموت، ولا يوجد أسوأ من أن يعيش الإنسان حياته يبني، ومن ثم وبعد أن يغيب عنها يُهدم بناؤه بكلّ بساطة.
الكثير من الحوادث تشهد على هذا الواقع، وكل واحدة منها أكثر مرارة من الأخرى، نذكر مثلاً الحادثة الشنيعة التي حصلت في عام 2007م من تخريب قبر الروائي والأديب الكبير عبد الرحمن منيف ـ رحمه الله ـ في دمشق، تلك الحادثة التي لم تُفسر حقيقة الدوافع لها حتّى الآن، منهم من قال إن السبب كان من أجل تسوية القبر لأنه مخالف للشريعة الإسلامية ومنهم من قال إنه فِعل مُعارضي فِكر منيف "سياسياً".
الأخرى، كما ذكرت في مقال سابق، ما حدث للشّاعر العِراقي الرّاحل بدر شاكر السيّاب ـ رحمه الله، وبعد أن مثّل العِراق، والرّوح العراقيّة، والإنسان العِراقي المشبع بالهمّ الذي يتحوّل واقعه إلى قصائد بيديه، وبعد كلّ هذه السنوات، تُحرق دواوينه من أجل الاختلاف فقط على "مذهبه" الإسلامي، وبعد الاعتقاد الذي دام طويلاً بشيعيته ظهر أنّه سُنّي، فثارت قوى الشّيعة وكأنّ الشّعر كان محسوماً بالمذهب الديني!
وأيضاً ما حدث للأديب خورخي لويس بورخيس، والأكيد أنّ الكثير غيره!، حيث وبعد سنوات طويلة من وفاته، سبق ورفضت زوجته مراراًَ أن تقوم أي جهة بترجمة أعماله دون علمها وموافقتها، رغم أنه قانونياً لا تُورث لها سوى الحقوق المالية التابعة لحقوق النشر والتأليف وتكون عادة من خمس سنوات إلى 15 سنة، لكنها برفضها إنما تحترم حق زوجها المتوفى وفي الأمر ذاته فإنها لا تنتهك حقّا قانونيا تستحقّ عليه المُعاقبة، ولكن ما حدث لهذه المؤلفات أبشع في مخالفة القانون وتُستحق عليه المخالفة والعقوبة!، فقد قامت دُور نشر عربيّة بترجمة أعماله إلى اللغة العربيّة دون الرّجوع إلى أي جهة مختصة وانتهكت حقّه الفِكري بكلّ بساطة.
واستكمالاً لمهازل حقوق النّشر كذلك، فقد وصلَ الأمر لدى بعض الدور العربيّة إلى إصدار كُتب مؤلفين دون وجه حقّ شرعي! كما حدث مع المفكر د.علي الوردي، فقد قامت بعض دور النّشر باقتباس فصول من بعض كتبه الأخرى ونشرها كأنها كتاب قام هو بإصداره أو بموافقته أثناء حياته، أي، لم يُذكر في الكتاب أنه ليس سوى اقتباس من فصل أو جزء لأحد إصداراته الأخرى وقامت بهذا الجهد، والذي لم أستطع حتى الآن استيعاب أي مبرر له! وأنه لم يكن كتاباً جديداً للمؤلف.
ويبقى أخيراً السؤال المُرّ معلقاً طويلاً، إلى متى ونحنُ نُعاني من غياب الهيكل التشريعي لحقوق المثقفين الإنسانية والفكرية في بلادنا العربيّة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي