Author

السعودية .. والسندات الأمريكية

|

تصدُّر المملكة البلدان العربية في حجم الاستثمارات في السندات الأمريكية، يأتي نتيجة المخططات الاستثمارية الشاملة التي وضعتها السعودية على المدى البعيد، التي تتطابق مع المتطلبات الخاصة بـ"رؤية المملكة 2030". وباعتبارها تمثل أكبر اقتصاد عربي، فمن الطبيعي أن تكون متصدرة في هذا المجال الحيوي، خصوصا أنها ليست جديدة على سوق السندات الأمريكية، واستفادت على مدى سنوات من عوائدها. وبينما تستحوذ 11 دولة عربية على 4.4 في المائة من إجمالي الاستثمارات العالمية في هذه السندات، تمتلك السعودية 2.3 في المائة منها، في حين تستحوذ المملكة على 52.5 في المائة من الاستثمارات العربية ككل. ويصل مجموع هذه الاستثمارات الأخيرة إلى أكثر من 272 مليار دولار، منها 143 مليارا للسعودية.
واحتلت المملكة المرتبة الـ11 بين كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأمريكية، مجتازة الهند التي كانت تسبقها. وتنتهج الرياض سياسات استثمارية متنوعة منذ سنوات، ولكنها تعاظمت في العامين الماضيين، وتحديدا في أعقاب إطلاق "رؤية المملكة 2030" التي تركز في الدرجة الأولى على تنويع مصادر الدخل، بما يتناسب ومتطلبات المستقبل، في سياق إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس متطورة ومنفتحة ومتنوعة. والاستثمار في السندات الأمريكية جزء مهم في هذا المجال، ويعتمده كثير من البلدان المتقدمة والناشئة. فعلى سبيل المثال تحتل الصين المركز الأول على قائمة أكبر المستثمرين في سندات وأذون أمريكا، وتأتي اليابان بعدها. وتضم قائمة العشرة الكبار دولا أخرى مثل بريطانيا ولوكسمبورج والبرازيل وهونج كونج وغيرها.
وفي الآونة الأخيرة صعدت المملكة من مشترياتها لهذه السندات، بلغت أكثر من 46 مليار دولار في فترة زمنية لا تزيد على تسعة أشهر. وفي هذه الأثناء حققت العلاقات السعودية ــ الأمريكية تقدما كبيرا على مختلف الأصعدة، ولا سيما الصعيد الاقتصادي، وكانت "رؤية المملكة 2030" السبب المباشر لهذا التقدم، خصوصا أنها تتضمن مجالات واسعة للاستثمار المتبادل بين البلدين عبر المؤسسات المختصة في كثير من المجالات. وأبدت الشركات والمصارف الأمريكية رغبة شديدة في الدخول للسوق السعودية عبر كثير من القطاعات، بما فيها السياحية المالية والخدماتية والنقل وغيرها. ودعم التقارب السياسي بين الرياض وواشنطن في أعقاب زوال إدارة الرئيس باراك أوباما، الحراك الاقتصادي بصورة مباشرة وغير مباشرة، بحيث عادت هذه العلاقات إلى طبيعتها التاريخية المعروفة.
السندات والأذون الأمريكية تبقى جانبا من الجوانب العامة للسياسة الاقتصادية السعودية. فعلى سبيل المثال أفسحت القوانين المرنة في المملكة المجال للمؤسسات المالية العالمية "وفي مقدمتها الأمريكية" لدخول السوق المحلية. وفي أوروبا تعتزم مجموعة من الشركات الإنتاجية والمالية والخدماتية وغيرها المضي قدما في مخططاتها التي وضعتها في هذا المجال. وتقف وراء هذا التدافع الاستثماري عوامل كثيرة، أولها الاستقرار الاقتصادي السعودي حتى في عز تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. فقد أثبتت المملكة قدرة فائقة على التعاطي مع هذا التراجع التاريخي الكبير، من خلال الأساس القوي الذي تستند إليه، والمخططات الاستراتيجية التي يجري تنفيذها بوتيرة متينة وسريعة.
وعلى هذا الأساس، فالاستثمارات السعودية في السندات والأذون الأمريكية، تظل جزءا من الحراك الاستثماري العام، سواء ذاك الذي يتعلق بالاستثمارات السعودية في الخارج، أو الاستثمارات الخارجية في المملكة.

إنشرها