موازنة الأجيال في ساحتنا الثقافية
إن ما يقدمه الإعلام من أسماء أصبحت هي الأكثر رسوخاً في ذاكرة القارئ، بغض النظر عن نظرة الإعلام له والصفة التي أظهرته بها، لأنه حينها يدع الحكم للمتلقي في تحديد موقفه من الأحداث والأشخاص.
ولكن هذه الشهرة التي يوصلها الإعلام أصبحت هي مطلب البعض، حين يخرجون بما يلفت الأضواء لهم، ليصلوا إلى ساحة الإعلام فتظهر أسماؤهم، المخجل أن منهم من لا يمكن بين يديه ما يستحقّ المواجهة أو الخوض.
لذلك لم تعد الشهرة الآن – كما سابقاً – هي مقياس النّجاح أبداً، ولا عاد الطّبع مقياس قوة الطّرح، ولا عاد عدد الطبعات مقياس الاستحقاقية.
لذلك نرى الآن أن ثقة القارئ بالأسماء الجديدة التي تدخل إلى الساحة الثقافية لم تعد كبيرة كما كانت من قبل، حتى إن بعض القراء لو لم يقرأ لكاتبٍ ما يكفيه لن يعرف الحقبة الزمنية التي عاش فيها، وكتب كي يستطيع الوثوق به وبأن لديه ما يستحق القراءة، وبعد قراءته إن لم يتوافق معه يعدّ الأمر مجرد اختلاف في التوجهات، بينما الأسماء الجديدة نجد القارئ أحياناً يحتاج إلى أن يرى ردة فعل الإعلام، وباقي القراء كي يلتفت إلى بعض الأسماء، ما لم تكن منها تلك التي خرجت بأعمالها التي أثارت ضجة لأسباب ما في العمل ذاته كمساس التابو وما إلى غير ذلك.
قبل مدة ثارت ضجة الصحف بسبب رفض نادي أدبي الرياض طباعة أعمال الأديب إبراهيم الناصر الحميدان حين أعادتها اللجنة إليه، في الوقت ذاته الذي طبعت فيه أعمال لأسماء جديدة، تفاوتت ردود الفعل في الموضوع، منهم من رأى أن النادي وقع في خطأ كبير، لأنه رفض اسم قامة أدبية مثل سعد الحميدين، ومنهم من رأى أن النادي فعل الصواب، لأنه كان من المفترض أن يبدأ الآن دورة جديدة مع الأسماء الصغيرة التي لم يسبق لها النشر من قبل لأجل دعمها، من مبدأ أن تلك الأسماء الكبيرة ليست بحاجة إلى جهة مثل النادي الأدبي كي يدعمها في الإصدار، خاصة أن دور النشر أحياناً هي من يشتري الأسماء الكبيرة من أجل النشر لديها، وأن الأسماء المبتدئة في النشر هي التي قد تعيش في بداية مشوارها رهبة العمل الأول فتحتاج إلى من يساعدها ويقوّمها وينشر لها، خاصة أنّ النادي الأدبي لا يقوم بإصدار أي عمل قبل أن يمرّ على لجان متخصصة، أنا لم أكن مع أي من الرأيين، فالقامات الأدبية الكبيرة نحنُ بحاجة أيضاً إلى مواصلة إبداعها في ساحتنا خاصة أنها تعد أساسا قويا فيها، وفي الوقت ذاته هناك أسماء لم تنشر من قبل تحتاج إلى دعم من النادي أو أي جهة داعمة أخرى، لذلك فأنا أرى أن النادي عليه ألاّ يتوقف عن الاستمرار في الإصدار لأدبائنا الكبار في الوقت ذاته الذي لا يهمل فيه الأسماء الجديدة.
الدّماء لدينا في حاجة إلى التجديد دائماً، وكل جديد لا بدّ من أن يتعلّم ممن سبقوه في التجارب، لذلك لا بدّ من الموازنة في حضور جميع الأجيال في السّاحة.