محدودية الدعم وضعف الثقافة يعوقان نمو السياحة المحلية
احتضنت مدينة الرياض فعاليات ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي في دورته الأولي، خلال الفترة من 23 إلى 27 آذار (مارس) 2008، تحت شعار "السياحة للجميع.. شراكة لتنمية مستدامة"، برعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
من بين أبرز أهداف الملتقى: (1) النهوض بصناعة السياحة في مجالات الإيواء، والخدمات السياحية، وفرص الاستثمار السياحي. (2) تسليط الضوء على معوقات الاستثمار السياحي والتجارب العلمية في هذا الجانب. (3) استقطاب رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في صناعة السفر والسياحة في السعودية.
تجدر الإشارة إلى أن عقد مثل هذه الملتقى، يأتي ضمن سياق جهود الحكومة السعودية الحثيثة الرامية للارتقاء بأداء قطاع السياحة في بلادنا، باعتباره خيارا اقتصاديا استراتيجيا تعول عليه الدولة لأن يصبح قطاعا اقتصاديا مهما رديفا لقطاع النفط، يسهم بشكل فاعل في تعزيز الإيرادات غير النفطية للخزانة العامة للدولة، ولا سيما حين النظر إلى حجم الأموال الهائلة التي يتم إنفاقها على قطاع السفر والسياحة في كل عام، والتي تقدر في الوقت الحاضر بأكثر من 61 مليار ريال، ينفق الجزء الأكبر منها على السياحة بالخارج، ويقدر لهذا الرقم أن يرتفع خلال السنوات العشر المقبلة ليصل إلى نحو 456 مليار ريال.
تأتي كذلك أهمية تنمية قطاع السياحية الداخلية، كونه مسؤولا مسؤولية مباشرة، عن توفير نحو 342.3 ألف وظيفة في عدد من القطاعات الخدمية، ذات العلاقة بقطاع السياحة، مثال قطاع الفنادق، والمنتجعات السياحية، والشقق المفروشة، والمطاعم والمقاهي ووكالات السفر والسياحة، بما في ذلك خدمات نقل المسافرين والخدمات الترفيهية، إضافة إلى ذلك ووفق ما ورد عن مجلس السفر والسياحة العالمي WTTC أن من بين خصائص القطاع السياحي اتصافه بأنه ركيزة أساسية وأداة مهمة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، وأنه أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً (4.2 في المائة معدل نمو سنوي)، إذ يسهم بنحو (11 في المائة)، من إجمالي الناتج المحلي القومي، ويوظف نحو (8.7 في المائة) من إجمالي القوى العاملة، ويمثل نحو (11.8 في المائة)، ويستحوذ على نحو (9.3 في المائة) من إجمالي الاستثمارات.
تأكيدا لعزم الحكومة السعودية على الارتقاء بأداء قطاع السياحة المحلية، أنشأت الحكومة الهيئة العليا للسياحة بتاريخ 12/1/1421هـ، لتعمل على إرساء الأسس الكفيلة بتحفيز تطوير قطاع السياحة في السعودية وتنميته، من خلال الترويج للفرص الاستثمارية وتذليل الصعوبات التي تواجه نمو القطاع، ولكن على الرغم من تلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الهيئة العليا للسياحة في الماضي في سبيل تطوير السياحة الوطنية، من خلال تبنيها العديد من المبادرات الهادفة إلى تحفيز نمو القطاع بشكل عملي ومدروس، إلا أن القطاع لا يزال يواجه بوابل من الصعوبات والمعوقات، التي تعترض طريق نموه وازدهاره، وتحد من تفعيل مساهمته المتواضعة في الناتج المحلي الإجمالي التي تقدر في الوقت الحاضر بنحو 6.5 في المائة.
من بين أبرز معوقات نمو قطاع السياحة المحلية على الجانب التشريعي والتنظيمي، محدودية التنظيمات والتشريعات بما في ذلك الصلاحيات والموارد المالية اللازمة لنمو القطاع، وبالذات فيما يتعلق بتحقيق اللامركزية في إدارة القطاع من قبل المناطق والمحافظات المختلفة في السعودية، الأمر الذي حد بشكل كبير من تطوير القطاع على مستوى تلك المناطق والمحافظات.
من بين أبرز معوقات نمو قطاع السياحة المحلية على الجانب التشغيلي، ضعف ومحدودية آليات ومصادر التمويل العامة والخاصة اللازمة للتوسع في بناء المشاريع السياحية، بالإضافة إلى محدودية الدعم الذي تقدمه الحكومة المرتبط بمنح وتخصيص الأراضي العامة للاستثمار السياحي.
من بين المعوقات التشغيلية كذلك، وفق آراء عدد من المهتمين بشأن السياحة المحلية والمستثمرين في القطاع، محدودية توافر الكوادر البشرية المحلية المدربة على تشغيل المرافق السياحية، وبالذات العمالة الموسمية، هذا إضافة إلى عدم توافر مراكز تدريب متخصصة لتدريب العمالة المحلية على أسلوب تقديم الخدمات السياحية بالشكل المهني المحترف، وكذلك صعوبة الحصول على التأشيرات السياحية واستقدام العمالة الأجنبية للعمل في المشاريع السياحية المحلية.
هذه المعوقات السياحية وغيرها، أصبحت ترهق كاهل المستثمرين المحليين في السياحة الوطنية وتضاعف من تكلفة التشغيل، ولا سيما حين النظر إلى ارتفاع تكاليف التشغيل الأخرى المصاحبة لتشغيل المرافق السياحية مثال تكلفة الطاقة الكهربائية وخلافه.
في رأي عدد من المستثمرين والمهتمين بشأن تطوير وتنمية قطاع السياحية المحلية في بلادنا، أن تطوير القطاع يستلزم دعم الحكومة للقطاع السياحي أسوة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، التي حظيت في الماضي بدعم حكومي كبير، مثل القطاع الصناعي والقطاع الزراعي، كما أن تطوير القطاع يستلزم توفير بيئة استثمارية محفزة، تشجع التركيز على سياحة المعارض والمؤتمرات، وزيادة أعداد المعتمرين، فضلاً عن تبني استراتيجية للتسويق والترويج للفرص السياحية، مع الأخذ في الحسبان تكامل المرافق والخدمات السياحية، بما في ذلك تنوع قاعدة المنتجات السياحية، وضمان توافر الجودة والأسعار المنافسة للخدمات السياحية بالدول المجاورة، كما قد طالب عدد من المختصين بإنشاء جمعيات مهنية متخصصة تعمل على تطوير الجوانب الخاصة بالارتقاء بأداء القطاع.
خلاصة القول، أن نمو قطاع السفر والسياحة المحلية في السعودية، يستلزم توفير المزيد من الدعم الحكومي، بالذات المرتبط باستصدار التشريعات والتنظيمات، التي تعمل على تهيئة البنية التحتية والفوقية اللازمة لنمو القطاع، كما أن تطوير القطاع يستلزم كذلك توفير فرص التمويل والترويج والتسويق الملائمة لنمو القطاع، الأمر الذي يؤكد على ضرورة الارتقاء بثقافة المجتمع الرسمي والمدني على حد سواء بأهمية تنمية السياحة المحلية، لكون ذلك سيسهم في مضاعفة مساهمة القطاع في الاقتصاد السعودي، وسيعمل على خلق وظائف جديدة، تعمل على القضاء على البطالة التي يعانيها الشباب والشابات في بلادنا، والله من وراء القصد.