ماراثون رمضان
بعد أيام قليلة سيهل علينا شهر رمضان المبارك، شهر القرآن والروحانية وقيام الليل وإحياء لياليه بالعبادة والصلاة، لكن مع الأسف بعض المظاهر المادية التي أصبحت ترافق هذا الشهر إن لم تتم إعادة ضبطها وبرمجتها بشكل صحيح فستسلب كثيرا من جماله وروحانيته! ماراثون الشراء الجنوني وخاصة قبل دخول رمضان بيومين يكاد يجعل الأسواق تتحول إلى حلبات مصارعة، ويعزز هذا الأمر حمى التخفيضات التي تقوم بها المحال الكبرى التي تستهدف جيوب المستهلكين. فيما مضى كان ماراثون الشراء يتركز على المواد الغذائية التي تعارف الناس عليها في هذا الشهر المبارك، لكن دخلت على الخط بدع جديدة أشعلت هوس الشراء ودفعت بالمستهلكين إلى التدافع نحو الأسواق وخصوصا النساء.
ـــ كثير من السيدات ينجرفن نحو بريق البضائع التي أصبح أصحابها يتفننون في الإبداع والابتكار فيها وكتابة عبارات ورسومات تخص رمضان سواء الأواني أو مفارش السفرة أو الفوانيس ولذلك أصبح لرمضان "مواعين" معينة. يقول أحد التجار إن مبيعات "المواعين" قبل رمضان تصل إلى 60 في المائة من المبيعات طوال السنة!
ــــ من أنواع البدع الجديدة "جلابيات رمضان" وهي حيلة تجارية ذكية ابتكرتها المصممات، مثل حيلة العلامات التي قال عنها وزير فرنسي "الماركات أكبر كذبة تسويقية اخترعها الأذكياء، لسرقة الأثرياء، فصدق بريقها الفقراء"، هذه البدعة التجارية تخصص ملابس معينة لرمضان ومن خلالها تنشط سوق "الجلابيات" وسوق المصممات خاصة! هذا الهوس المادي للشراء والتعلق بالماديات والمظاهر يدفع بروحانية رمضان الحقيقية بعيدا عن حياتنا، ويجعلنا نعيش نوعا من الجمود والعلاقات المهترئة القائمة على التسابق "بالمواعين" والجلابيات والمظاهر المزيفة.
أشفق كثيرا على أجيالنا الحالية التي لم تختزن في ذاكرتها شيئا من جمال وروحانية رمضان قديما، وخاصة وقت الغروب حيث صحون "الطعمة" بين الجيران، والتسابق للوصول بها للجار قبل الأذان، واللعب بعد صلاة التراويح مع أطفال الحارة والقفز هنا وهناك دون تعب، والاجتماع العائلي في بيت كبير الأسرة حيث جمال "اللمة" والدفء والمشاعر المتدفقة!
الماراثون الحقيقي الذي نحتاج إليه هو إحياء العادات الجميلة بعيدا عن التصنع والماديات التي تكاد تخنقنا وتحول منازلنا إلى مجرد "فاترينات" عرض للأثاث والتحف والعلامات. السعادة في رمضان وغيره ليست في ملابس نلبسها ولا علامة نتفاخر بها، بل في علاقات اجتماعية تشعرنا بأهمية وجودنا في حياة من نحبهم ويحبوننا سواء كانوا في حاجتنا أم لا!
وخزة
يقول جون ستيوارت "الخطر الرئيس في هذا العصر، هو قلة من يجرؤون على أن يكونوا مختلفين".