المحتوى المحلي .. حصان «الرؤية» الأسود
جاءت كلمة المحتوى المحلي في أكثر من موقع في الـ "رؤية السعودية 2030" لتعكس مدى أهميتها كأحد الأسس الفاعلة لجعل «الرؤية» واقعا يتحقق. فأحد أهداف محور "اقتصاد مزدهر" ترجمت إلى زيادة المحتوى المحلي لصناعة النفط والغاز من 40 إلى 75 في المائة. وبعد نحو عام، أطلق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يستهدف رفع نسبة المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية، عبر توطين الصناعات الواعدة والعسكرية. يعرف المحتوى المحلي على أنه المواد والخدمات والموارد التي يستخدمها ويستهلكها نشاط اقتصادي التي يتم توفيرها عبر الاقتصاد الوطني. وعادة ما تضع الدول متطلبات لنسبة المحتوى المحلي للشركات الأجنبية العاملة في اقتصادها بهدف الاستفادة من خبرة الشركة والقطاع الناضج في بناء قاعدة صناعية واسعة.
زيادة المحتوى المحلي لصناعة ما يعمل على تعظيم القيمة المضافة على مدى سلسلة القيمة لكل منتجات الصناعة. فعند معاينة صناعة النفط، فإن "أرامكو" تبيع منتجها النهائي وهو برميل النفط في الأسواق العالمية مقابل النقد. ولكنها في الوقت نفسه تشتري بجزء من النقد معدات وخدمات من خارج البلاد فتفقد جزءا من إيراداتها بالعملة الصعبة. ومتى ما توافرت هذه المعدات والخدمات محليا فإن السيولة النقدية تعود للتدفق إلى داخل الاقتصاد وتعمل على تنشيطه. ولكن قد تؤدي سياسات المحتوى المحلي إلى رفع أسعار بعض الخدمات نتيجة زيادة الطلب عليها بشكل مفاجئ. وكذلك قد تؤدي في أحيان أخرى إلى زيادة واردات قطاع آخر يستخدم الموارد الخاضعة لقوانين زيادة المحتوى المحلي نفسها. ولكن هذه الزيادة طارئة والمحصلة النهائية تكون في بناء صناعات صغيرة مصاحبة، توجد مزيدا من الوظائف ومنتجات جديدة متنوعة ومتخصصة، ونقلا واسعا للتقنية يمكّن الصناعات المصاحبة من تكثيف عمليات البحث والتطوير، فتزيد فرص ظهور شركات عملاقة جديدة.
عادة ما ترتبط سياسات المحتوى المحلي بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فلو فرضت الحكومة نسبة من المحتوى المحلي على مشترياتها من السيارات، ستعمل إحدى الشركات العالمية على تأسيس مصنع محلي لتلبية هذا الطلب. ولكن تكاليف المصنع والصناعة في بداية الأمر ستكون مرتفعة، وسيعمل المصنع على تخفيضها عبر التعاقد مع مصانع محيطة لتوفير مختلف المواد وأجزاء السيارة، فيتم تحقيق معدلات المحتوى المحلي المطلوبة بتكلفة أقل. وسيستمر المصنع في زيادة الاستعانة بمصادر خارجية لتخفيض التكاليف حتى تصل الصناعة إلى المعدلات العالمية. فمصانع السيارات عادة ما تورد 70 في المائة من مكونات السيارة خارجيا وتصنع النسبة الباقية. المصانع المحيطة عادة ما تكون صغيرة في أحجامها، وقد لا تتوافر لها الموارد اللازمة لإنجاحها، ولذلك فإن برامج أخرى لـ "الرؤية" لابد أن تعمل على دعم هذه المنشآت مع الأخذ في الاعتبار نسبة المحتوى المحلي المضاف على مستوى الاقتصاد.
سلسلة القيمة المضافة السعودية مليئة بالموارد التي يمكن استغلالها وتوطينها بشكل سريع. فالاقتصاد الوطني مليء بالمواد الخام إضافة إلى استثماراته الهائلة في مراكز البحث والتطوير في قطاعي النفط والبتروكيماويات، الأمر الذي سيسهل العمل على زيادة المحتوى المحلي ويكثف عملية توسيع القاعدة الصناعية الوطنية.