هدر المال العام واستغلاله
كتب الزميل الأستاذ عبد الوهاب الفايز رئيس التحرير مقالا ضافيا ومعبرا حول أهمية تربية أطفالنا على الحفاظ على المال العام وعدم استغلاله بأي شكل من الأشكال سواء كان المال عائدا للقطاع الحكومي أو الخاص. وأورد بعض الأمثلة على تباهي الأطفال في المدارس باستغلاله من قبل آبائهم الموظفين، كان ذلك في عدد "الاقتصادية" الصادر بتاريخ 16 شباط (فبراير) 2008.
وفي الحقيقة أن ما تطرق إليه الزميل العزيز واقع معاش لا ينبغي تجاهله أو التقليل من شأنه فهو يعد نوعا من أنواع استغلال الأصول بشكل غير مشروع. وفي هذا السياق أتذكر أن شركة كي بي إم جي العالمية قامت بإعداد دراسة قبل نحو ثلاث سنوات حول أكثر أنواع المخالفات انتشارا في شركات القطاع الخاص في دول مجلس التعاون أظهرت نتائجها أن استغلال الأصول من قبل التنفيذيين في الشركات العاملة هو الأكثر انتشارا لدينا.
واستغلال الأصول يحدث بأشكال متعددة منها على سبيل المثال أن يستفيد التنفيذي من المال العام في تلبية بعض احتياجاته، كأن يستخدم أكثر من سيارة من سيارات العمل خلافا للتعليمات، أو أن يشتري جهاز حاسب آلي على حساب العمل ويمنحه لأولاده, أو أن يسافر في رحلة سياحية على حساب الشركة التي يعمل فيها, وهكذا. وفي بعض الأحيان وصل الأمر ببعض التنفيذيين إلى تفريغ أحد موظفي الشركة لخدمة منازلهم وقضاء حاجاتهم الخاصة بخلاف ما تنص عليه الأنظمة الداخلية في الشركات التي يعملون فيها. ومن أنواع استغلال الأصول التي تلاحظ بشكل متكرر في غير أوقات العمل هو استخدام سيارات مخصصة لأداء أعمال ميدانية في مشاوير عائلية.
من أهم أسباب انتشار ظاهرة استغلال الأصول لدينا ضعف أنظمة الرقابة الداخلية في كثير من الشركات واعتقاد بعض التنفيذيين أن النظام ـ إن وجد ، فهو لا يشملهم بل هو خاص بباقي الموظفين. ومعلوم أن كسر النظام من قبل الموظفين الكبار يشجع باقي الموظفين على كسره أيضا, وهذا يؤدي إلى مخالفات كثيرة منها استغلال الأصول العائدة للشركة بطريقة غير نظامية وقلة الانضباط والإنجاز ما يؤثر بشكل سلبي في نتائج الشركة وأرباحها.
وفي المقابل فإن احترام الإدارة العليا نظام الرقابة الداخلية وما ينص عليه من تعليمات يكفل إلى حد بعيد حماية الأصول من الاستغلال واحترام باقي الموظفين التعليمات والتزامهم بها. وهنا أتذكر قصة رواها لي زميل يعمل في إحدى الشركات الكبرى يقول الزميل: عندما باشر الرئيس التنفيذي الجديد العمل في الشركة وكان من المدخنين، سأل أحد موظفي مكتبه عن التدخين في الشركة هل هو مسموح به في المكاتب أم لا؟ وعندما أبلغه الموظف بأن نظام الشركة يمنع التدخين في المكاتب امتنع عن التدخين في المكتب بشكل نهائي، الأمر الذي جعل جميع الموظفين بما فيهم نواب هذا المدير يمتنعون عن التدخين أيضا.
لا يمكن بطبيعة الحال حماية الأصول من الاستغلال عندما يرى موظفو الشركة مديرهم يستغلها, ولا يمكن أن يحترم الموظفون الأنظمة والتعليمات بما فيها أوقات العمل إذا كان رؤساؤهم لا يحترمونها، ولا يمكن أن تحقق الشركة أهدافها الربحية في ظل أجواء تنتشر فيها المخالفات التي يعتقد البعض أنها ليست كذلك وأن ما يقومون به يعد حقا من حقوقهم التي ترتبط بمزايا كرسي العمل.
وأسوأ ما له علاقة بموضوع استغلال الأصول ما ذكره الزميل عبد الوهاب الفايز في مقاله وهو التفاخر بهذا الأمر أمام الأطفال وهم جيل المستقبل لأن ما سيتربون عليه اليوم سيطبقونه في الغد عندما يكونون في مراكز القيادة.
لن تختفي ظاهرة استغلال الأصول من بيئة العمل إلا إذا اهتمت مجالس الإدارة بهذا الأمر مثل أن يوقع المدير التنفيذي على إقرار يلتزم بموجبه بحماية أصول الشركة من الاستغلال وأن يتم إفهامه أيضا بأنواع الاستغلال المنتشرة لدينا، لأن الأمر لا يقتصر على استغلال المدير نفسه للأصول بل يمتد إلى استغلال باقي الموظفين لها أيضا.