شركات النفط تستثمر في الطاقة المتجددة
في الأشهر الخمسة عشر التي تلت اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، حدث تغير جذري في طريقة تعامل قطاع النفط والغاز مع تحدي خفض انبعاثات الكربون. ليس فقط التحسن المطرد في اقتصاديات مصادر الطاقة منخفضة الكربون شجعت على هذا التحول، وإنما أيضا عن طريق التحول في السياسات نحو دعم مصادر الطاقة المتجددة. وقد تم بناء هذا الزخم في العام الماضي على وجه الخصوص.
إن التهديد الذي يواجهه منتجو الطاقة التقليدية، المتمثل في مصادر الوقود غير الأحفوري، ليس بالجديد، حيث إن مصادر الطاقة المنخفضة الكربون غيرت بالفعل توقعات الطلب على النفط والغاز، وستواصل القيام بذلك. مع ذلك تشير معظم التوقعات إلى أن الوقود الأحفوري سوف يستمر في لعب دور كبير في تلبية الطلب العالمي على الطاقة حتى منتصف القرن الحالي على أقل تقدير، ولا سيما في الاقتصادات النامية والناشئة مثل الصين والهند.
على سبيل المثال، لا تعتقد "وود ماكنزي" أن الطلب على النفط سوف يتلاشى في أي وقت قريب، بل سيكون هناك دائما حصة كبيرة جدا من الطلب العالمي على الطاقة يوفرها النفط، والحديث هنا عن 25 إلى 30 في المائة اعتمادا على أي توقعات نستخدمها لهذا الغرض.
على الرغم من التوقعات المشجعة، بدأ عديد من شركات النفط والغاز العالمية، بل حتى الدول المنتجة لهذه الموارد، بتنويع أنشطتها من أجل حماية نشاطها الأساسي والحصول على موطئ قدم في أسواق الطاقة البديلة المتنامية. ولتحقيق ذلك، تأخذ بنظر الاعتبار ثلاث استراتيجيات رئيسة.
في الأولى، تستمر الشركات باستغلال مواردها الأساسية أي النفط والغاز، ولكنها تحاول أن تفعل ذلك بطريقة تقلل من انبعاثات الكربون. وهي تقوم بذلك، عن طريق الاستثمار في تقنيات مثل احتجاز الكربون وخزنه CCS، أو تحسين الكفاءة ضمن سلسلة عملياتها. على سبيل المثال، أطلقت شركة شل في عام 2016 قسما جديدا للطاقة، الذي من المرجح أن يركز على الاستثمار في التكنولوجيا بدلا من الإنتاج.
وتشمل الاستراتيجية الثانية قيام الشركات بالاستفادة من خبراتها التقنية، مثل قدراتها الهندسية في مجال العمليات البحرية، من أجل تنمية مصادر الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، شركة مثل شتات أويل التي لها خبرة كبيرة في كيفية العمل في بيئة بحرية، ولكن بدلا من بناء منصات الحفر، تقوم ببناء توربينات الرياح العائمة.
الاستراتيجية الثالثة تتضمن تنمية نشاط الطاقة المتجددة، ولكنها تقوم بذلك بطريقة مختلفة. وشركة توتال الفرنسية أفضل مثال في هذا الجانب، حيث استثمرت في شركة للطاقة الشمسية، واشترت مصنعا للبطاريات، ولدى الشركة الطموح بتخصيص 20 في المائة من استثماراتها في مصادر الطاقة منخفضة الكربون بحلول عام 2020 إلى 2025. وفي العام الماضي، تخلت «توتال» عن صناعة الفحم، وهي من المؤيدين لآليات تسعير الكربون، وقد وسعت عملياتها في مجال الغاز الطبيعي إلى درجة أصبح يمثل نصف مجموع أنشطتها.
وفي هذا الصدد، أشارت "وود ماكنزي" إلى أنه على الرغم من أن شركات النفط والغاز تتحرك في قطاع الطاقة المنخفض الكربون، إلا أنه لا يزال هناك عدم إجماع حول الاتجاه الذي سيذهب إليه الابتكار ونشر إمدادات الطاقة في المستقبل. وتمثل هذه الاستراتيجيات الثلاث اعترافا بأن العالم يمكن أن يتغير، ولكن ليس هناك إجماع حول كيف سيبدو العالم في غضون الـ20 عاما المقبلة.
ما لا شك فيه ستواصل شركات النفط والغاز في الاستثمار في احتياطيات جديدة نظرا للانخفاض الطبيعي في الموارد المتاحة، ولكن مع التقدم الحاصل في التقنيات الحديثة، فإن نمو الطلب العالمي على الوقود التقليدي قد يتعرض لضغوط مستمرة.
وقد يكون السيناريو الأسوأ هو أن الطلب قد يضعف والاستثمارات تبدأ بالتراجع ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط من جديد. ولكن ماذا لو أن عند هذه النقطة كانت هناك تكنولوجيا منافسة تلبي بعض الطلب على النفط والغاز؟ وهذا يمكن أن يكون غير مريح للصناعة. حيث إن هذا التقدم المطرد في التكنولوجيا الجديدة قد بدأ ينخر في الطلب على النفط المتوقع لوقود النقل، الذي يعد الحجر الأساس لقطاع صناعة النفط. جزء من نجاح السيارات الكهربائية هو أن الكهرباء، وخصوصا في الدول المتقدمة، متوافرة في كل مكان، ولا توجد مشكلة في الحصول عليها. بمجرد أن تصبح التكنولوجيا متاحة، تبقى مسألة الشحن مجرد انتظار وقت.
وحتى المملكة العربية السعودية تنظر الآن في التحول التدريجي إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون. في هذا الجانب، أعلن وزير الطاقة عن خطة بقيمة 50 مليار دولار لتحقيق 70 في المائة من توليد الطاقة من الغاز ومن باقي مصادر الطاقة المتجددة والنووية بحلول عام 2030.
إضافة إلى ذلك، تنظر الصناعة أيضا في مبادرات نظيفة مثل مبادرة النفط والغاز بشأن المناخ OGCI التي تجمع شركات النفط والغاز الخاصة والمملوكة للدولة بما في ذلك "بريتش بتروليوم"، "رويال داتش شل"، "توتال"، "إيني"، "ريبسول"، "شتات أويل"، "أرامكو السعودية"، الشركة الوطنية الصينية للبترول، "ريليانس وبيمكس"، التي أعلنت عن تخصيص استثمارات بقيمة مليار دولار للإسراع في تنمية ونشر تقنيات متجددة ذات انبعاثات منخفضة للغازات الدفيئة. سوف تعطى الأولوية الأولى لنشر عمليات احتباس ثاني أكسيد الكربون CO2 وتخزينه على نطاق واسع، تخفيض انبعاث الميثان على طول سلسلة قيمة الغاز لزيادة تنميته، وتحسين كفاءة الطاقة، سواء على صعيد النقل أو على صعيد الصناعة.
على ما يبدو أن تقنيات الطاقة منخفضة الكربون على أعتاب فترة من النمو السريع. ولكن على الرغم من أنها تتوسع بسرعة، إلا أنها تبدأ من مستوى منخفض جدا. مع ذلك، أصبحت شركات النفط والغاز على وعي متزايد بحجم المنافسة من مصادر الطاقة منخفضة الكربون وبدأت فعلا في العمل في هذا المضمار، نظرا لإمكاناتها التقنية والمالية الكبيرة قد تتبوأ الصدارة في هذا المجال أيضا.