القطاع الحكومي والمسؤولون التنفيذيون؟
في لقاء لا تنقصه الصراحة أو المجاملة لأن الحديث يدور حول عدم قدرة بعض الأجهزة الحكومية على القيام بما هو مطلوب منها، وبعض هنا للحيطة فقط، طال الحديث وتشعب وكلاً شرح وجهة نظره حول هذا الخلل، تذكرت مقالة سابقة عن التنمية ومشكلاتها التنفيذية، وكانت بعنوان "التنمية بين طموح القيادة وتخاذل المسؤولين التنفيذيين" طلبت ممن يحدثنا أن يقوم أو يقيم دور المسؤولين التنفيذيين في أجهزتنا الحكومية، هؤلاء المسؤولون هم من يحرك القرار وينفذه وهم من يتابعون الأعمال ويقومونها، وهم من يستقطبون الكفاءات ويحيدونها وهم، وهم وهم!!.
المسؤولون التنفيذيون يمثلون، وبكل أمانة، عصب العمل الحكومي، ولهذا تقع عليهم المسؤولية الكبرى في التنمية وتطوير الأنظمة وحمايتها والاهتمام بالإنسان وبنائه البناء السليم هم من يجتمعون لرسم الخطط وهم من يعرضونها لاعتمادها، وهم من يتولون تنفيذها بعد الاعتماد، وهم من يدورون حول قياداتهم ويرافقونهم، ويؤثرون فيهم إيجابا أو سلبا، هم من يحدد المصالح ويعظم الفوائد سواء العامة أو الخاصة.
الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها أن المسؤولين التنفيذيين يمثلون الثقل الأكبر في أجهزتنا الحكومية ودورهم، كما أشرت وأكبر من ذلك، ولهم أن يعدلوا في الأنظمة الإدارية والمالية والفنية والقانونية ما يشاؤون إذا أرادوا، هم حلقة الوصل بين القيادات الإدارية والعاملين في المؤسسات الحكومية يعرفون كل شيء عن كل شيء إذا أرادوا ذلك، صوتهم مسموع وفكرهم مؤثر وقدراتهم غير محدودة في الخير والشر إذا أرادوا ذلك، يقع على عاتقهم كل شيء ولهذا فإن دورهم مؤثر في اتخاذ القرار وتنفيذه ويقع أيضاً عليهم مسؤولية التنمية وانتشال إنسانها لحياة أفضل إذا أرادوا ذلك، كثير من القرارات التي تصدر ويكثر حولها الحديث أو اللغط أحيانا نجدهم خلفها بالرأي والمشورة والتحرير والتصدير، هم الأقرب إلى مختلف شرائح المجتمع وفئاته، ولهذا فإن قدرتهم على تلمس احتياجات المواطن أعلى، ومعرفتهم بما يدور في أوراقة الخاصة والعامة يعطيهم القدرة على حسن اختيار القرار الصحيح.
إن المسؤولين التنفيذيين متى استوعب العديد منهم مسؤولياته ودوره في تطوير مجتمعه سنرى النتائج ـ بإذن الله ـ عظيمة، وكثير من المقترحات والأفكار والأوامر ترى النور بدعمهم بعد قناعتهم إن البلد يعتمد بعد الله، سبحانه وتعالى، عليهم، فهم عيون قياداتهم للقرار السليم، وهم أرجلهم التي تمشي بين المواطنين من أصحاب الحاجات، وهم المنفذون للإرادة السامية التي تحرص على تحقيق الخير لكل مواطن على كل الحيز الوطن.
إن جلوس أي مسؤول تنفيذي مع نفسه ومحاسبتها على ما قدمت خلال عمله في الجهاز الذي يعمل فيه سيكتشف أغلبهم إن لم يكن كلهم أنهم يملكون كل المقومات والأدوات والأنظمة والتعليمات التي تجعل من السعودية في مصاف الدول المتقدمة، وإن عملهم ضمن فريق واحد وبنظرة تطويرية مصحوبة برغبة صادقة وخوف من الله على عظمة المسؤولية سيحقق ذلك.
ولهذا، فإن المطلوب للمرحلة المقبلة حتى تستقيم الأمور بشكل أفضل ونتحرك مما نحن فيه من ترهل وبيروقراطية وانطوائية وفساد مباشر للأسف في بعض الأحيان هو أن يتم إعادة تقويم عطاء جميع المسؤولين التنفيذيين في كل جهاز واختيار الأصلح منهم لأداء العمل ووضع البرامج التي تساعدهم على الارتقاء بأداء العمل وتطوير الإدارات التي تجمعهم مع بعضهم في لقاءات دورية لتبادل الخبرات والمعارف والتجارب، وربما لو يتم لقاء كل سنتين يتم فيه تكريم المتميزين منهم وأيضاً تكريم الأسوأ منهم، حيث يعرف المجتمع من يعمل لصالحه ومن يعمل لذاته، الكيفية التي يمكن اقتراحها هنا للتطوير والتقويم يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة أو طرقا مختلفة ولكن في نهاية الأمر تنجح التجربة، وتتحرك هذه القيادات التنفيذية للعمل، وقد يقول بعضهم وما الحوافز التي تدفعهم للعمل الجاد المخلص، وهم يرون أنفسهم مقارنة بالكفاءات نفسها أو أقل التي تعمل في القطاع الخاص وكيف لا يحصلون على الحوافز المالية التي يحققها أقرانهم في القطاع الخاص، وهنا لي عودة للحديث بشكل واضح وصريح عن مميزات وعيوب العمل الحكومي مقارنة بالقطاع الخاص من جهة وبذاته من جهة أخرى.
وقفة تأمل:
"يقول الرافعي: لا تتم فائدة الانتقال من بلد إلى بلد إلا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور. فإذا سافر معك الهم فأنت مقيم لم تبرح".