نجران بعد نصف قرن .. عادات تراثية لم تهزمها الأيام

نجران بعد نصف قرن .. عادات تراثية لم تهزمها الأيام

يحرص أهالي نجران على المحافظة على تراثهم القديم، ولا سيما عاداتهم الثقافية التي توارثوها جيلا بعد جيل، يأتي في صدارة هذه العادات تزيين الأطفال بملبوسات نجرانية قديمة، لم تقوَ الأيام على هزيمتها، على الرغم من التقدم الحضاري في صناعة الملبوسات، اهتماما كبيرا منهم على نشر هويتهم الثقافية.
وعرفت أبرز الملابس التراثية في نجران قبل ما يزيد على نصف قرن، وغالباً ما تظهر هذه الملبوسات، اليوم، في مناسبات الأعياد، وحفلات الأعراس، وكذلك في حفلات ختان الأطفال التي تُسمى "الهُود"، إذ تعد مناسبة للاحتفال في نجران ومناطق الجنوب بشكل عام، بوصفها حالة انتقالية لعمر الطفل.
وتظهر الأزياء النجرانية القديمة بشكل كبير عند كبار السن حاليًا الذين لم يتنازلوا عن لباسهم التقليدي القديم، خصوصاً ثوب "المزنّدة والمذْيّل" والجنبية عند الرجل، و"المُكمم" و"الخيط" عند المرأة، إضافة إلى حليّ الفضة.
والتقت وكالة الأنباء السعودية أشهر صانع للأزياء والملابس النجرانية في المنطقة، هو علي بن محمد آل عبدالله - الملقب بـ بن سروان - وقد قضى عمرا طويلا في حِرفة الخياطة، وشهد على تحولات اللباس في المنطقة، وكان رائدا في هذا المجال، لتلك الدرجة التي كان الناس قبل 50 عاما يتناقلون ما كان يسمى بـ "دَقّة بن سروان"، بوصفها الأبرز في ذلك الوقت، حيث ميّزها بتطريز خاص يضفي على لباس المرأة الشهير حينها نقشا معينا، ويكون النقش والتزيين بلون مختلف غالبًا ما يكون أحمر، بحيث يكون قماش الثوب أسود.
وجرت شهرة العم بن سروان في تفصيل الأزياء قديمًا، وامتدت حتى تغنّى بها الشعراء، وكانوا في نجران يقولون "دَقّة" بمعنى موديل في وقتنا الحاضر، فيما كان أبرز ما يكون عندهم في ملابس النساء، هو زيّ العروس الذي يسمى بمجمله "طاقة وأدوالها" وتحتوي على ثوبين، "الثوب المصبوغ والأدوال" وتكون من قماش يسمى "أبو عُربية".
ومن الحلي ما يوضع على الرأس مثل "الدنعة"، وكذلك "الخروص" التي تعني ما يسمى اليوم بحلق الأذن، بحيث تشكل كل هذه الحلي مع الملابس المنقوشة، زيًا نجرانيًا يبهر العابر، ويعكس العمق الحضاري والجمالي لنجران وأهلها.
ويقول العم بن سروان "إنه يعمل في هذا المجال منذ 57 عامًا، منها 25 عامًا في محلّه في السوق القديمة بجانب قصر الإمارة، وما تبقى منها في محله اليوم بجانب سوق الجنابي الشعبي في حي أبا السعود"، معربًا عن حبّه لحرفته بطريقة خاصة حيث يذكر أنه رغم وجود المكائن بطبيعة الحال إلا أنه ما زال حتى اليوم يستخدم الخيط والإبرة بين الحين والآخر، لاشتياقه إلى العمل اليدوي، مستعينًا بنظارته الطبية، خصوصًا عندما يصنع لأحفاده، أو أبناء أصدقائه، أو في مرافق مهرجان الجنادرية أمام الزوار، كي يشاهدوا حرفته النجرانية، ويعكس لهم أحد وجوه تراث المنطقة الأصيل، حيث شارك في 27 نسخة من المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية".

الأكثر قراءة