شركات النفط العالمية حذرة بشأن الاستثمار

لا يزال رد فعل شركات النفط الكبرى على انتعاش أسعار النفط حذرا جدا. في الوقت الذي بدأت فيه شركات النفط المستقلة في أمريكا الشمالية زيادة الاستثمار وعدد منصات الحفر استجابة لاتفاق "أوبك" في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) للحد من الإنتاج ـــ الذي يرى كثير من المحللين أنه وضع 50 دولارا للبرميل أرضية لأسعار النفط ـــ لم ترخ شركات النفط العالمية الكبرى قبضتها بعد عن تقنين النفقات. في الواقع، يبدو أن النفقات الرأسمالية لكبار شركات النفط العالمية ستنخفض مرة أخرى هذا العام عن مستويات 2016 المتدنية أصلا.
ثبات أسعار النفط في الآونة الأخيرة فوق مستوى 50 دولارا للبرميل عزز التدفقات المالية لشركات النفط الكبرى، ولكن ليس بما يكفي لدفع نفقاتهم الرأسمالية إلى أعلى بشكل ملحوظ، لأنها لا تزال مكبلة ماليا بالتزامات توزيع أرباح كبيرة وديون مرتفعة. في هذا الصدد، تخطط شركات إكسون موبيل، رويال دتش شل، شيفرون، توتال، شتات أويل، وشركة كونوكو فيليبس المستقلة العملاقة لإنفاق ما مجموعه 115 مليار دولار هذا العام، بانخفاض 3 في المائة عن عام 2016.
باستثناء شركة بريتش بتروليوم، لا تصادق شركات النفط الكبرى على مشاريع عملاقة جديدة في المياه العميقة، والرمال النفطية والغاز الطبيعي المسال، حيث إن مثل هذه المشاريع العالية التكلفة وطويلة فترة التنفيذ تحتاج إلى مزيد من الثقة على المدى البعيد في أسعار النفط. كما أن ارتفاع عمليات الحفر والتنقيب في موارد الزيت الصخري في الولايات المتحدة يضيف مزيدا من عدم اليقين واتجاها هبوطيا إلى خطط استثمار الشركات، وكثير منها يتطلب أسعار نفط قرب 60 دولارا للبرميل لتكون مجدية اقتصاديا.
تتوقع شركة بريتش بتروليوم أن تبقى أسعار النفط فوق مستوى 50 دولارا للبرميل هذا العام، لكنها أقرت أخيرا بأن سعر التعادل الذي ستعتمده في عام 2017 هو 60 دولارا للبرميل ــــ ارتفاعا عن المدى المستهدف سابقا الذي كان بين 50 و 55 دولارا للبرميل. في المقابل، خفضت شركة شتات أويل النرويجية توقعاتها طويلة الأجل لأسعار النفط، حيث تتوقع الآن أن تصل أسعار خام برنت القياسي إلى 75 دولارا للبرميل في عام 2020 انخفاضا من توقعاتها السابقة المقدرة بـ 83 دولارا للبرميل، وفقط 80 دولارا للبرميل في عام 2030، مقارنة بـ 100 دولار للبرميل سابقا. في هذا الجانب، يقول بعض المحللين إن نمو الإنتاج من خارج دول "أوبك" الأساسية والنفط الصخري في الولايات المتحدة من دون شك سيتطلبان اعتماد مشاريع عملاقة جديدة في المستقبل.
على الرغم من ذلك، ضغوط الأسعار المنخفضة على الاحتياطيات والإنتاج على مدى العامين الماضيين أجبر الشركات الكبرى على التفكير في النمو مرة أخرى. بعض هذه الشركات تحاول معالجة هذا الموضوع وتحاول إضافة احتياطيات وطاقات إنتاجية عن طريق الاستحواذ Acquisitions. في هذا الجانب، قادت شركتا بريتش بتروليوم وتوتال المجموعة عن طريق موجة من الاستحواذ، ولكن حتى شركة إكسون موبيل المحافظة تتجه مرة أخرى إلى النمو من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ M&A. ليس بالضرورة أن جميع الشركات تنحو النهج نفسه. على سبيل المثال، تركز شركة إكسون موبيل على النفط الصخري في الولايات المتحدة، في حين تستهدف شركة بريتش بتروليوم وتوتال الغاز في مناطق مختلفة من العالم، وهذا يتماشى مع استعداد شركات النفط الأوروبية العملاقة للانتقال إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون.
شراء شركة إكسون موبيل أخيرا أصولا في "حوض العصر البرمي" بقيمة 5.6 مليار دولار، يشير إلى أن الشركة تعتقد أن التوسع في موارد دورة تطويرها قصيرة مثل النفط الصخري في الولايات المتحدة هو أفضل وسيلة لتحقيق الانتعاش، حيث يمكنها أن تزيد أو تخفض نشاطها بسرعة وفقا لتقلبات الأسعار. منذ أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، اشترت «بريتش بتروليوم» حصة 10 في المائة من حقل الغاز العملاق لشركة إيني المكتشف أخيرا قبالة السواحل المصرية، واتفقت أيضا على استثمار مليار دولار مع شركة كوزموس للطاقة لتطوير حقول الغاز البحرية في موريتانيا والسنغال، واشترت أيضا حصة 10 في المائة في امتياز نفطي في أبو ظبي بقيمة 2.2 مليار دولار. وصفقة شركة توتال الأخيرة بقيمة 2.2 مليار دولار مع شركة بتروبراس ركزت أيضا بشكل كبير على الغاز في المياه العميقة البرازيلية، وتبع ذلك استثمارها في تطوير أحد مشاريع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة.
على الأرجح يشير النمو المبني على الاستحواذ إلى ثقة أكبر بالأسعار، ولكنه يوحي أيضا بانتهاز الفرص. تبقى ميزانيات الإنفاق الرأسمالي على المشاريع منخفضة ــــ أكثر من 40 في المائة أقل من مستويات 2014 ـــ وتبقى أقصى درجات ضبط النفس مهيمنة على معظم شركات النفط الكبرى، مع وجود عدد قليل جدا من المشاريع العملاقة على أعتاب قرارات الاستثمار النهائية. ظلت الأرباح في الربع الرابع من العام الماضي ضعيفة، حيث إن شركات: بريتش بتروليوم، شيفرون، رويال دتش شل وشتات أويل كانت جميعها دون مستوى التوقعات، وحتى شركة إكسون حققت أقل ربح سنوي منذ اندماجها عام 1999 مع شركة موبيل.
أخيرا، كانت شركة رويال دتش شل منشغلة بعملية الدمج مع شركة بريتش غاز BG، ولكنها في الوقت نفسه تستعد لدفع الزيت الصخري في أمريكا الشمالية ومشاريع المياه العميقة العالمية معتمدة على أسعار تعادل أقل من 40 دولارا للبرميل. لكن، على ما يبدو أن مشروع كيركاس في خليج المكسيك هو الوحيد الذي من المتوقع أن يحصل على قرار استثمار نهائي في المدى القريب. في المقابل، تعتقد شركة شيفرون أنه إذا ظلت أسعار النفط بين 50 و 55 دولارا للبرميل في عام 2018، فسينخفض إنفاق الشركة مرة أخرى، وهذا سيمثل التراجع الخامس على التوالي في الاستثمارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي