عدو التنمية

عّرفت منظمة الشفافية الدولية TI الفساد بأنه إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة، ويمكن أن يصنف حجمه على قدر المصالح المحققة وحسب أهمية القطاع الذي حدثت فيه، كما يعرّف بأنه انعدام المصداقية أو الاستخدام غير الأخلاقي للسلطة الموكلة لشخص ما في تحقيق مكاسب خاصة. وعرفت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في المملكة الفساد بأنه "كل سلوك انتهك أيا من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام كما يعد فسادا كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، هذا في القانون الوضعي".
ووفقا للتعريف السابق لمنظمة الشفافية الدولية يمكن أن يكون الفساد كبيرا Grand corruption أو صغيرا Petty corruption أو سياسيا "سلطويا" Political corruption. فالفساد الكبير Grand corruption هو الناتج عن استغلال السياسات والقوانين واللوائح بواسطة أصحاب الوظائف العليا لتحقيق مصالح شخصية على حساب عامة الشعب. والفساد الصغير Petty corruption  تحقيق مصلحة مادية من خلال استغلال السلطة العامة بواسطة متوسطي وصغار موظفي الخدمة العامة عند تعاملهم مع عامة المواطنين الذين يحاولون الاستفادة من المرافق العامة كالمستشفيات والمدارس والبلديات وأقسام الشرطة والمحاكم ومختلف أجهزة الخدمة العامة. أما الفساد السياسي Political corruption فهو التلاعب بالسياسات والمؤسسات والأنظمة والإجراءات بواسطة السياسيين أو أصحاب السلطة في بلد ما بهدف إحكام السيطرة واستدامة المناصب والثروة لهم.
ومن المعروف أن الفساد داء خطير، متى ما أصاب بلدا أو سلطة فإنه يؤدي بالتأكيد لتدمير شامل. والفساد قد يأتي بشكل منظم أو منفرد بقصد أو دون قصد، ولهذا حرصت الدول على مكافحة الفساد، وشرعت المنظمات الدولية والإقليمية لمحاربته والقضاء عليه والتنسيق بين الدول في كشف الفساد وتسليم المفسدين للقضاء وسحب الحماية عنهم. ومن بين المؤشرات التي تقيم الدول وفق مستوى الفساد المستشري فيها، يأتي مؤشر مدركات الفسادCorruption Perceptions Index CPI الذي سبق الحديث عنه في مقال سابق.
وفي المملكة اهتمت القيادة منذ وقت مبكر بمحاربة أي فرص للفساد وأسهمت في تعزيز النزاهة امتثالا لتعاليم الدين الإسلامي الذي يمثل منهج البلاد، فأنشأت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في عام 1432هـ ونص قرار التأسيس أن "تشمل مهام الهيئة القطاعات الحكومية كافة، ولا يستثنى من ذلك كائن من كان.. ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي". واهتمت "رؤية المملكة 2030" بموضوع القضاء على الفساد من خلال "سنسعى إلى العمل وفق معايير عالية الشفافية والمساءلة.." وذكرت أيضا "لن نتهاون أو نتسامح مطلقا مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان ماليا أم إداريا. وسنستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات. وسيشمل ذلك اتخاذ كل ما هو ممكن لتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة". الفساد عدو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجب العمل على محاربته من خلال التعليم، والإعلام والممارسات المعيشية النزيهة.
اهتمام القيادة الرشيدة بمحاربة الفساد والقضاء على فرص نشوئه من أهم مكتسبات الوطن، وتظل الأدوات بحاجة ماسة إلى تفعيل المحاسبة، والمساءلة، وتحقيق العدالة لتحقيق أهداف الرؤية والقيادة، وكشف فرص الفساد بمختلف مستوياتها ومفاهيمها، وإيضاح ممارسات الفساد حتى يبتعد الجميع عن الوقوع فيه. وفي مقالات مقبلة سنتناول هذا الشأن بشيء من التفصيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي