مؤشر مدركات الفساد .. نتيجة وبناء

أظهر مؤشر مدركات الفساد   Corruption Perceptions Index CPI عن عام 2016 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية Transparency International تقريرا سنويا عن ترتيب دول العالم "176" دولة حول العالم. المؤشر تم تطويره منذ عام 1995 ويعتمد في نتائجه على مصادر وقواعد للبيانات. 13 مصدرا للبيانات يستقي منها المؤشر بياناته للإجابة عن سؤال واحد، عن انتشار الفساد في بلد ما. تشير المنظمة إلى أن "69 في المائة من 176 دولة مشمولة بمؤشر مدركات الفساد لعام 2016 أقل من 50 نقطة على مقياس يبدأ من 0 "حيث معدلات الفساد عالية للغاية" إلى 100 "حيث تخلو الدولة من الفساد"؛ ما يظهر انتشار وضخامة حجم الفساد في القطاع العام حول العالم. ويزيد هذا العام عدد الدول التي انحدرت على المقياس عن الدول التي تحسن الوضع فيها؛ ما يُظهر الحاجة إلى التحرك العاجل لمكافحة الفساد".
المملكة في نتائج مؤشر هذا العام تراجعت إلى المركز 62 بين 169 دولة، حيث حققت نتائج المؤشر 46 نقطة من أصل 100 نقطة، وكانت في عام 2015 قد حققت 52 نقطة، وفي عام 2014 "49" نقطة، وفي عام 2013 "46" نقطة، وفي عام 2012 "44" نقطة. وهنا يجب أن نتساءل: هل نتائج هذا المؤشر تعبر بصدق عن واقع الفساد في المملكة؟
في عام 2013 كتبت في صحيفة الاقتصادية "أعتقد أن نتائج مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عام 2012، يعطي علامة تنبيه مهمة، حيث تراجعت المملكة في التصنيف من المرتبة 57 بين 183 دولة في عام 2011، إلى المرتبة 66 بين 174 دولة في نسخة التقرير لعام 2012. في ديسمبر 2011 علق رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بقوله "إن اختلاف ترتيب المملكة فيما يتعلق بالتقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2011، الذي جعل المملكة في المركز الـ 57 من بين 183 دولة، ليس سببه تراجعا بقدر ما هو اختلاف في ترتيب دول أخرى" "الاقتصادية، 6630".
المنهجية التي يستخدمها المؤشر قد تكون صحيحة بنسبة عالية، لكن الحقيقة أن مصادر تغذية المؤشر بالبيانات خاصة عن بعض الدول ومنها المملكة يشوبها كثير من الضعف والتحيز. أهم مدخل لقياس هذا المؤشر يجب أن يكون مدى توافر البيانات والمعلومات التي تمكن الباحثين من تقييمها وفقا لمفردات المؤشر نفسه. ومن الواضح أننا ما زلنا نعاني وفرة وصحة وتطابق البيانات والمعلومات عن واقع المملكة، الذي بدوره يؤثر فعليا في ظهور المملكة على عديد من المؤشرات التي تؤثر بالتالي في مكانة المملكة الاستثمارية وعلاقاتها التجارية والحقوقية، خصوصا مع التوجه السائد في المملكة من خلال تطبيق "رؤية المملكة 2030".
ما سبق لا يعني خلو أي بلد من الفساد، والمملكة جزء من هذا العالم. والاعتراف بوجود استغلال للسلطة، وتحيز في المساواة أمر لا بد منه حتى نتمكن من تحسين الوضع القائم. لكن السؤال الدائم: ما الدور الذي قامت به الجهات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني في تحسين مصادر البيانات وتطويرها لإظهار المملكة بالشكل الصحيح من جهة وللمساهمة في حل الإشكالات من جهة أخرى؟
لا يكفي أن نعيش حالات طوارئ للاستجابة لما يظهر لنا. وتبقى جميع تصرفاتنا ردة فعل وقتية، تتلاشى بالزمن القصير دون حراك فعلي، للمساهمة في رقي بلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي