"الكورة" أيام زمان
كنت عندما كانت لياقتي مثل لياقة (عنتر) مغرما بالركض خلف "الكورة" مع عشرين لاعبا... همنا الأوحد (الركض خلف الطابة).. ولكن هذا (الغرام) بعد إصابة ركبتي ورقبتي تحول إلى نسيان عالم الكرة... وبعد سنين وبعد إلحاح ابني وتوسلاته بمشاهدة مباراة.. كورة.. توكلت على الله وأخذته إلى تلك المباراة تلبية لرجائه من جهة، ومن جهة أخرى لكي أشاهد عالم الماضي.. وكانت المدرجات تغص بالمتفرجين فجلسنا مفترشين التراب حول الشبك الحاجز.. (وكأننا في مزرعة دجاج نموذجية)، وابتدأت المباراة وابتدأ معها هتاف المتفرجين خلفي، مؤيدين فريقا أو يصفرون للفريق الآخر.. "ويا بن الخبازة.. ويا ولد الطباخة.. ويا.. بس.. ويا.. غراب.. ويا تيس".. وكانت الفرجة عليهم أمتع من الفرجة على الكورة.. التي كانت في كل دقيقة "طالعة آوت".. وبينما أنا أبحث عن الروح الرياضية في هذه المباراة فوجئت بزجاجة كولا.. تلكم ظهري لكمة جعلت مخي يعلن الطوارئ ويصدر أوامره الفورية للساقين أن تتأهبا لنط الحواجز، فيما لو اتضح أن حرب الأعصاب الباردة بين المشجعين خلفنا قد تحولت إلى حرب ساخنة تستخدم فيها الصواريخ الزجاجية التي لا تعرف أهدافا لأنها لا تستقر إلا على رؤوس الأبرياء.. واتضح لنا أن تلك الزجاجة الصاروخية لم تنطلق من محطات الصواريخ المعروفة، ولكنها أطلقت من متفرج.. كله ذوق "وبعد النظر".. حيث رأى ألا يحذف الزجاجة على الأرض خوفا من أن تكسر فيضيع بذلك جزء من ثورتنا القومية.
وكتمت غيظي وتابعت التفرج من جديد.. وانتهى الشوط الأول وبدأ الثاني.. وحمى وطيس اللعب وثار الغبار وارتفع وسد الأقطار وجندل هذا ذاك وضرب ذلك هذا، ولم يبق إلا الشجعان، وشاهد المتفرجون ألوانا حية من الرياضة.. كرة قدم ومصارعة وملاكمة وبينما أنا متمتع شممت رائحة قماش يحترق وشعرت بحرارة تلسع أذني واتضح لي أن "شماغي" ترعد فيه نار لأن أحدهم ألقى سيجارته عليه. وعدنا إلى البيت بظهر موجوع "وشماغ" محروق ـ صار فيما بعد ممسحة كنادر – ناهيك عن الأعصاب التعبانة من لاعبين غابت عنهم الروح الرياضية مثلما غاب "الذوق" من بعض المشاهدين.