ميزانية (2008).. ميزانية تنموية ثلاثية المحاور

[email protected]

تشرفت بإجراء لقاء خاص في التلفزيون السعودي (القناة الأولى) مساء صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1428/1429 (2008) بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، مع معالي الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف وزير المالية، الذي أوضح من خلال اللقاء، أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي (2008)، ارتكزت في إعدادها وهيكلة جانبي الإيرادات والمصروفات، على ثلاثة محاور تنموية أساسية ورئيسية وهي (1) التركيز على تنمية والمحافظة على صحة العنصر البشري، (2) استكمال والتوسع في مشاريع البنية التحتية، (3) سداد الدين العام وبناء الاحتياطيات.
يأتي تركيز الميزانية العامة للدولة، على التنمية والمحافظة على صحة العنصر البشري، باعتباره محور التنمية الشاملة المستدامة ومركز ثقلها، التي تعيشها السعودية، ومن هذا المنطلق فقد جنبت الميزانية لهذا المحور التنموي المهم، أكثر من 21 في المائة من اعتمادات الميزانية (جانب المصروفات)، الذي تم تقديره بمبلغ 410 مليارات ريال، أو ما يساوي نحو 89 مليار ريال، بحيث يشمل ذلك الإنفاق على التعليم العالي والعام والتدريب، وبالأخص التدريب في مجالات العلوم التقنية، والمعلوماتية، ودعم البحث العلمي، والتطوير التقني.
من بين أبرز المشاريع التنموية التعليمية، التي ستشهد تطويراً ملحوظاً خلال العام المقبل، (1) تأهيل المعلمين، (2) تطوير المناهج التعليمية، (3) تحسين البيئة التعليمية، (4) الارتقاء بأداء الجامعات السعودية العلمي والعملي، وبالذات في مجال البحث العلمي، (4) الارتقاء بأداء معاهد ومراكز التدريب التقني والتأهيل المهني.
معالي الوزير العساف أشار خلال المقابلة التلفزيونية المذكورة، إلى جهود الحكومة، المرتبطة بالارتقاء ببرامج الابتعاث للخارج المختلفة، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث للخارج، الذي قد رصد واعتمد له في وقت سابق، مبلغ سبعة مليارات ريال، لابتعاث المواطنين والمواطنات إلى الخارج لدراسة التخصصات العلمية، التي لها علاقة وارتباط وثيق، بمتطلبات وحاجات النهضة التنموية التي تعيشها المملكة، بما في ذلك سوق العمل، هذا وتجدر الإشارة إلى أن عدد المبتعثين السعوديين من الجنسين، قد بلغ 39 ألف طالب وطالبة من مختلف الأجهزة والقطاعات الحكومية وغير الحكومية، كما بلغ عدد المرافقين لهؤلاء المبتعثين من الجنسين 11 ألف مرافق ومرافقة.
وفي جانب القطاع الصحي والتنمية الاجتماعية، فقد خصصت الميزانية ما يقارب 44.5 مليار ريال، بهدف الرفع من مستوى الرعية الصحية الأولية والثانوية والتخصصية في السعودية، بما في ذلك مواصلة دعم برامج الفقر.
بالنسبة للمحور التنموي الثاني، الذي قد ركزت عليه الحكومة في بنائها لأرقام الميزانية العامة للدولة، هو الارتقاء بأداء البنية التحتية، ليطول ذلك عددا كبيراً من المرافق والخدمات العامة الأساسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن ما تم تخصيصه للإنفاق على قطاعات المياه والخدمات البلدية والزراعة والصناعة والتجهيزات الأساسية، قد بلغ نحو 45 مليار ريال، حيث قد اعتمدت مشاريع جديدة في هذه القطاعات، بهدف توفير مياه الشرب للمواطنين والمقيمين، والمحافظة على الموارد المائية وإنمائها، بما في ذلك حماية البيئة، وضمان سلامة الغذاء والدواء، وتوفير خدمات الصرف الصحي، والسدود وحفر الآبار. كما قد اعتمدت الميزانية في قطاع النقل مشاريع جديدة واعتمادات إضافية لتنفيذ طرق جديدة سريعة ومزدوجة ومفردة وموانئ وخطوط للقطارات ومشاريع للمطارات، علماً بأن أطوال مشاريع الطرق التي تم اعتماد إنشائها خلال العام المالي الجديد قد بلغ نحو سبعة آلاف كيلو متر.
بالنسبة للمحور التنموي الأخير الذي تم بناء أرقام الميزانية العامة للدولة عليه، هو المحافظة على مستوى دين عام، بما في ذلك بناء احتياطيات عامة، تتناسب مع حجم نمو الاقتصاد، وتفي - في الوقت نفسه - بمتطلبات التنمية الاقتصادية، التي تعيشها السعودية، موضحاً في هذا الخصوص معالي الوزير العساف، أن الدولة لا تشتري قروضها بأي سعر، إنما هي تجنب الاحتياطيات اللازمة لذلك في حالة الرغبة في سداد جزء من الدين العام.
مما سبق يتضح جلياً، اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -، ببناء الإنسان السعودي والارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية والاجتماعية التي تقدم له، بما في ذلك الارتقاء بمستوى التحصيل العلمي والعملي بمختلف المراحل التعليمية، بما في ذلك التعليم الفني والتدريب المهني.
في رأيي إن هذه الأرقام المعتمدة في الميزانية الجديدة، ستعمل على إحداث نقلة نوعية في حياة المواطن السعودي، وبالذات في حالة الالتزام الحرفي بتطبيق الجدول الزمني المعتمد لتنفيذ المشاريع التنموية والرأسمالية المختلفة، ولاسيما أن تنفيذ المشاريع سيظل التحدي الأكبر المرتبط بتحقيق الغايات والأهداف المنشودة من التنمية، ولاسيما كذلك أن الاقتصاد السعودي يعيش في الوقت الحاضر، حالة من حالات التوظيف أو التشغيل الكامل للموارد والطاقات، الأمر الذي لربما يتطلب ترتيب أجندة الأولويات في تنفيذ المشاريع التنموية والرأسمالية المختلفة، ما سيجنب الاقتصاد التعرُّض لحالة من حالات الاختناق أو ما يُعرف بعنق الزجاجة في التنفيذ، كما أن التنفيذ المدروس والحكيم للمشاريع، سيجنب الاقتصاد السعودي التعرض للمزيد من الضغوط التضخمية، والاستخدام غير المقنن وغير الأمثل للموارد الاقتصادية والمالية المتاحة، وبالذات أن الاقتصاد السعودي يعيش حالة من حالات التضخم، الذي تبلغ نسبته نحو 5 في المائة، متجاوزة بذلك نسبة نمو الاقتصاد السعودي في العام الماضي بالأسعار الثابتة، والتي بلغت 4.2 في المائة، وبالله التوفيق.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي