هل تغمط اللغة العربية حقوق المرأة؟
لا نبعد عن الواقع الذي نحن فيه كثيرا إن قلنا إن اللغة العربية في مخاض وصراع.
المخاض ظاهر في تلقيح هذه اللغة الجميلة بالدخيل والهجين والأجنبي ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى التعجيل بولادة عسيرة قد يكون الجنين بعيد الشبه عن أصله.
والصراع ظاهر في لي عنق اللغة وإجبارها على هضم ما لم تعتد عليه من تراكيب ومفردات وأنماط لغوية وخطابية تعاكس نسقيها النحوي والصرفي.
وفي كلتا الفرضيتين (حالتين) أخشى أن تصبح اللغة العربية رهينة ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "الحداثيون".
والحداثيون وما أدراك ما الحداثيون لا سيما عند تشبثهم بنقطة أو حالة اجتماعية أو لغوية أو ثقافية محددة على حساب السياق وشموليته.
الحداثة لا بد منها وهي شيء محبب ومرغوب فيه. ولكن الحداثة يجب أن تأتي ضمن السياق الشامل إن كنا نتعامل مع تحليل نصوص يراها أصحابها مقدسة أو ظواهر اجتماعية أو مسائل لغوية كالتي نحن بصددها في رسالتنا اليوم.
وما سأركز عليه مثال صارخ على قصر النظر وغياب السياق عند التحدث أو الكتابة باللغة العربية.
اللغة، أي لغة، فيها الكثير مما يعكس الواقع الاجتماعي للمتحدثين بها. والواقع الاجتماعي فيه الكثير مما يمكن الوصول إليه من خلال تحليل اللغة.
بيد أننا سنرتكب خطأ كبيرا ـــ ربما لا يغتفر ـــ إن تصورنا أننا بلي عنق لغتنا سنغير الواقع الاجتماعي الذي نحن فيه صوب الأفضل.
اللغة تهضم الواقع الاجتماعي ولكنها لا تقبل، لا بل تقاوم بشدة أية محاولة لحقنها أو إجبارها على تجرع ما هو غريب على نحوها وصرفها.
اللغة تستوعب مفردات أو عبارات خارج معجمها وأحيانا تهرع إلى استعارتها من لغات وثقافات أخرى.
ولكن أن يقوم الناطقون بها بتدجينها نحويا وصرفيا بحجة الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل فهذا ما لا أستطيع استيعابه.
أن تحصل المرأة على حقوقها كاملة حالها حال الرجل هذا لعمري غاية نبيلة وعلى كل المجتمعات أن تسعى إلى تحقيقها.
حقوق المرأة جزء من التطور الاجتماعي والثقافي والتربوي للمجتمع. واللغة لا شأن لها في ذلك.
اللغة السويدية مثلا بدأت تستجيب لمكانة المرأة في المجتمع ومساواتها مع الرجل بعد أن صار ضرب المرأة وتهميشها وعدم مساواتها مع الرجل ـــ الذي كان شائعا على نطاق واسع قبل نصف قرن ونيف ــــ جزء من المحرمات الاجتماعية يعاقب عليه القانون أشد عقاب.
لن أدخل في خضم التكيف اللغوي في السويدية أو الإنجليزية أو اللغات الأخرى لمكانة المرأة في مجتمعاتها، إلا أن نقل هذه التحويلات اللغوية إلى نحو وصرف اللغة العربية يشكل مفارقة كبيرة لا تفسير لها إلا في عقول هؤلاء "الحداثيون" الذين يتصورون أن التبديل اللغوي مؤشر للتغير الاجتماعي.
اللغة لا تسبق التطور الاجتماعي والثقافي. اللغة والواقع الاجتماعي يمشيان سويا ويعكس الواحد الآخر.
الذي استنبط تعابير مثل "هو/هي" تيمنا بالإنجليزيةhe/she or his/her للإشارة مثلا إلى كلمة "المدرس" أو "العالم" أو مفردات أخرى تصورا منه أنها مؤشر "للذكورية" واهم.
والذي يكتب "اشرح/ي" و"عدد/ي" ظنا منه أنه يساوي بين المرأة والرجل واهم أولا، وثانيا يعتدي على اللغة العربية ولا يفقه كنهها وغير عارف بأسرار صرفها ونحوها وعلم معانيها.
المفردة أو العبارة التي ننطقها لإضفاء مسحة حسنة على وضعنا الاجتماعي أو لمدح أنفسنا ليس بالضرورة أنها تعكس هذا الواقع، وإلا لما كان هناك إشكال في حقوق المرأة لأن كل دساتير الدنيا وقوانينها تقريبا تدعو إلى العدالة والمساواة والحرية.
اللغة العربية ــــ كصرف ونحو ــــ لا تغمط حق المرأة. الواقع الاجتماعي ذاته والرجال أنفسهم هم الذين يقع عليهم عبء المسؤولية في هذا المضمار.