ما تأثير «خروج بريطانيا» من الاتحاد الأوروبي على أسواق النفط والغاز؟

"نستطيع الاستشهاد بأن الديمقراطية قد تهدم نفسها، وأن كثيرا مما يروج من المحاسن، هو سحابة صيف عما قليل ستنقشع، خصوصا بعد التفكك الذي وقع في عقر دار أهم المنظرين لهذه التوجهات، ونؤكد هذا الاستدلال بمثال أكبر وهو ما وقع في ثورات الربيع العربي، التي ضربت أكبر مثال على أن توقعات تحسن الاقتصاد بمثل هذه المسالك السياسية والحلول الاقتصادية باءت بالفشل. بل أكثرها شعارات لإشغال الشعوب بقشور من الحريات عن حقيقة ما يراد بها، وفي أحايين أخرى هي مجرد "حفر من أجل الحفر".

اختار البريطانيون وكإحدى نتائج الديمقراطية الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد 43 عاما، من العضوية الفاعلة، قرار تاريخي سيكون له ما بعده، وسيطول أثر هذا الزلزال البريطانيين وسائر الأوروبيين، وربما وصلت هزاته الارتدادية إلى أبعد من ذلك، ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستكون لها تداعيات اقتصادية، وسياسية واسعة وأخرى اجتماعية، كيف لا والمنسحب من الاتحاد هو المملكة المتحدة، خامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
وقد ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن أكثر القطاعات تضررا في بريطانيا من فقدان الصلة مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، هو المواد الكيميائية والخدمات المالية والسيارات والهندسة الميكانيكية، ولا شك أن الأمر سيطول سائر الاستثمارات الأجنبية التي وضعت خططها الإنتاجية والتسويقية، حيث أسست استراتيجيات صناعتها على أساس أن بريطانيا جزء من السوق الأوروبية الموحدة.
وقد توقع بعض الخبراء أن تصل خسائر بريطانيا قرابة (224) مليار جنيه استرليني في العام، نتيجة لخروجها من الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى فقدان أعداد كبيرة من الموظفين البريطانيين لوظائفهم، وسياسيا من المتوقع أن يتضاءل الدور الذي كانت تلعبه بريطانيا في السابق، وكأن حالها بعد هذا الخروج كما قال الشاعر:
يهز علي الرمح ظبي مهفهف
لعوب بألباب البرية عابث
ولو كان رمحا واحدا لاتقيته
ولكنه رمح وثان وثالث
هذا القرار التاريخي تباينت حوله الآراء، واختلفت التوقعات وإن غلب عليها الجانب السوداوي، فقد توالت التحذيرات من مخاطر هذه الخطوة، حيث يراها البعض "أول مسمار في نعش الاتحاد، وبداية واضحة للربيع الأوروبي" وذهب أصحاب التوقعات السالبة إلى آفاق بعيدة تصل إلى نذر اضطرابات عالمية. وهناك من يبرر هذه الخطوة من دولة عريقة أيقنت أن تقدمها ورياديتها في العالم، لا يمكن أن تتحقق في وسط هذا الكيان الذي يحد من إرادتها ويكبح جموح إدارتها.

#2#

وهناك فريق آخر يرى أنها مؤامرة أمريكية تلعب فيها بريطانيا دورا للقضاء على الاتحاد الأوروبي هذا الكيان الضخم الذي أزعج أمريكا، وفرض عليها وعلى العالم نوعا من توازن القوى، وأفسد نظرية القطب الأوحد، فكانت بريطانيا ذراع أمريكا التي تعبث بهذا الكيان وتتحين الفرصة لتسديد ضربة قاضية له، لذلك كان وجود بريطانيا ضمن هذا الاتحاد وفق – بحسب أصحاب هذا التوجه - مقاييس تسمح بخروجها بأقل الخسائر، على أن تقوم أمريكا صاحبة المخطط، بوضع الحلول اللازمة لحمايتها من أية مخاطر متوقعة جراء تنفيذها لهذه المؤامرة، وبالمقابل فإن هناك من يرى أن هذه الخطوة ستكون سببا قي تقسيم بريطانيا إلى (إنجلترا، واسكتلندا، وويلز، وأيرلندا الشمالية)، ولعل أكبر استدلال على ذلك، التحالف الأمريكي البريطاني في غزو العراق عام 2003 وما نتج عنه من اضطرابات في المنطقة وأحداث كارثية كانت سببا مباشرا في استمرار وتجدد معاناة، شعوب العالم العربي إلى يومنا هذا.
والأمر كما يظهر لي من خلال قراءة واقع هذا الخروج، لا يعدو أن يكون خطوة استباقية بالقفز من مراكب الاتحاد الأوروبي الغارقة، أقدمت عليها دولة ذات إرث حاضري عميق ولها من تراكم الخبرات عبر الحقب الغابرة ما تستشرف به المستقبل، وتتخذ بموجب ذلك الاستشراف القرار المناسب لها لتتموقع حيث ترى الأمان لمصالحها والضمان لممارسة سيادتها على مملكتها العظمى. ومن المؤكد أن الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي ليغرق بسهولة وسط أمواج هذا التسونامي، بل سيفتح صفحة جديدة تمكنه من احتضان ما بقي من أعضائه عبر خطوات ملموسة للحافظ على تماسك الاتحاد، وتمنحه القدرة على تبني قرارات حازمة لتلقين بريطانيا درسا يجعلها تندم على اتخاذ هذا القرار، وتكون عبرة رادعة لمن يفكر في الاقتداء بها.
تنوعت الآثار الاقتصادية، كما تنوعت التوقعات، ولعل أول الآثار وضوحا هو هبوط الجنية الاسترليني الذي انخفض أخيرا 14 في المائة وهو ما يقارب أزمة الاسترليني في عام 1967. وأهم ما يعنينا في هذا التأثير الواضح هو ما يحدثه من إعادة تراتب اقتصاديات دول أوروبية أخرى، سواء كانت اسكتلندا وأيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة، أو كاتالونيا في إسبانيا (جبل طارق). وكذلك آثاره السلبية على نظم التمويل والتجارة، وانتقال العمالة، حيث يعتبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمنزلة انتكاسة كبرى للعولمة، غير أن تداعيات هذا الخروج ربما لن تنتشر بسرعة مثلما حدث في الأزمات المالية السابقة، مثل الانهيار المالي عام 2008، أو الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و1998.
وهذه الانتكاسة المقبلة على العولمة، لم تكن وليدة اليوم، بل كانت إرهاصاتها في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر، وذلك على رغم من القيود التكنولوجية حينها، وعصر تطور التجارة العالمية، وقد جاءت الحرب العالمية الثانية، لتقضي على موجة العولمة هذه تماما، ومع ذلك فإن الاقتصاد العالمي، كان في تحسن مطرد خصوصا بعد موجة الكساد الاقتصادي في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر.....وهناك توافق واسع النطاق بين الاقتصاديين والمؤرخين، بأن واضعي السياسات الاقتصادية آنذاك أسهموا بشكل واضح في سير الأمور إلى نتائج أسوأ بكثير.

#3#

وقد بدأ أخيرا الاندماج في الاقتصاد العالمي من جديد، بداية الثمانينيات، وبالأخص في التمويل المالي، وفي هذا الوقت، ساعد مركز لندن المالي بريطانيا حتى تكون واحدة من ركائز الاقتصاد الجديد، كما مكنها من بناء تكامل اقتصادي سياسي لتثبيت دعائم دولة عميقة متكاملة.
وقبل الأزمة المالية العالمية 2008-2009، كان معظم مؤشرات التجارة المالية العالمية قد بلغت مستويات مرتفعة جديدة، وكان لهذا الارتفاع إسهام كبير في ترابط الوحدة الأوروبية حينها، ولكن مع بداية الأزمة، أخذ اقتصاد منطقة اليورو في الانكماش، وفقد الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
وقد أدت هذه الأزمة المالية إلى أشد تراجع متزامن في التجارة العالمية منذ الكساد العظيم في 1930، ولم تتعاف التجارة العالمية بشكل كامل منذ الأزمة المالية عام 2008 وحتى يومنا هذا، ولهذه الأسباب مجتمعة أصبحت الأسواق المالية لا ترغب في التعامل مع حالة عدم اليقين السائدة، خصوصا أنه قد تزامن مع حالة ضعف في النمو، وانخفاض حاد في مستويات الاستثمار العالمي.
وكما تعلمون أن الاتحاد الأوروبي هو تكتل سياسي واقتصادي لثمان وعشرين دولة أوروبية، بدأ بمعاهدة 1957، حيث ضم وقتها كلا من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا ولوكسمبورج وهولندا وإيطاليا وكان يطلق عليه (الجماعة الاقتصادية الأوروبية)، وقد انضمت إليها المملكة المتحدة والدنمارك في عام 1973، ثم تتابعت دول أوروبا في الانضمام حتى اكتمل عقدها بانضمام دول أوروبا الشرقية.
اليوم وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد وما يتوقع من نتائج، وهزات قاسية على المنطقة بل على العالم أجمع، وجب على كل دول وأخص هنا دول الخليج العربي أن تبادر بإدراج خطط استباقية مناسبة، للسيطرة على ما يمكن أن يقع من قرارات متعجلة، قبل وضع قواعد جديدة لعلاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، وأن يتم ذلك بصفة طارئة واستثنائية، حيث إن أي تأخير قد ينشأ عنه مزيد من الإحباط، وزيادة في فرص حدوث احتمالات وتداعيات سياسية معقدة من أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما قد يكون سببا في طلاق سياسي بائن، قد يؤدي إلى تعميق خطوط الصدع لتصل إلى نطاقات أخرى محلية وإقليمية ودولية.
وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقع ما كان منتظرا من هبوط في قيمة الجنيه الاسترليني، وبورصة لندن، وانحدار كبير في الاقتصاد البريطاني أدى إلى تخفيض الدرجة الائتمانية لبريطانيا، ما حرك ميكنة أصحاب رؤوس الأموال بالبحث عن حاضنات بديلة لاستثماراتهم ونقل ودائعهم.
ولعلنا بهذا الاستفتاء، نستطيع الاستشهاد بأن الديمقراطية قد تهدم نفسها، وأن كثيرا مما يروج من المحاسن، هو سحابة صيف عما قليل ستنقشع، أو (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا)، فهذا التفكك وقع في عقر دار أهم المنظرين لهذه التوجهات، ونؤكد هذا الاستدلال بمثال أكبر وهو ما وقع في ثورات الربيع العربي، التي ضربت أكبر مثال على أن توقعات تحسن الاقتصاد بمثل هذه المسالك السياسية والحلول الاقتصادية باءت بالفشل. بل أكثرها شعارات لإشغال الشعوب بقشور من الحريات عن حقيقة ما يراد بها، وفي أحايين أخرى هي مجرد "حفر من أجل الحفر".
وللرد على كثير مما يرد من التساؤلات عن تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أسواق النفط والغاز، وإن كان من السابق لأوانه معرفة الآثار المترتبة على ذلك في الأمدين المتوسط والطويل، خصوصا على أسواق النفط والغاز، وذلك ﻷن انخفاض الطلب، قد لا يتغير كثيرا، وتوازن أسواق النفط على المدى القريب قد لا يتأثر وإن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيطيل أمد عملية توازن العرض والطلب في الأسواق العالمية.
فنحن هنا نتوقع على المدى الطويل ضربا من الخسائر المحتملة لأن وكما هو موضح في الشكل الأول، صادرات الخدمات المالية في بريطانيا هي الأكثر من بين الدول العظماء السبع G7 أمريكا وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان، مع أن الاقتصاد البريطاني هو أقل من سدس حجم الاقتصاد الأمريكي، ولذلك فإنه سيكون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ردود فعل قوية في الأسواق المالية، فأصبح من الممكن أن تتأثر أسعار النفط بمعنويات السوق المالي السلبية، والتوقعات من هروب رؤوس الأموال، خاصة وأن لندن تقوم بدور المهيمن على المركز المالي، إضافة إلى ما تتمتع به من كونها مركزا تجاريا ماليا مهما.
وعلى الرغم من أن التأثير الاقتصادي للتصويت، قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في التوقعات العالمية على الطلب على النفط، إلا أنه من غير المحتمل أن يتغير التقييم الشامل لسوق النفط العالمي، ولذلك توقع مصرف "باركليز" تراجع نمو الطلب العالمي بـ(500 ألف برميل) في النصف الثاني من 2016 وانخفاض (400 ألف برميل) يوميا في 2017، كنتيجة لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. ولقد بنى المصرف توقعاته على انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي العالميGDP بـ( 0.6-0.7 في المائة) في أواخر 2016 و2017 مقارنة بتوقعاته السابقة.
كما سبق فإن بريطانيا وبلا شك ستتأثر، رغم تفاوت تقديرات الخبراء حول حجم وتنوع ذلك التأثر، ومن جملة المتغيرات التي ستتأثر بها، تلك القيود التجارية التي سيستحدثها الاتحاد الأوروبي ضدها، فما التأثير الذي يمكن أن نتوقعه من رفع مستوى وتنويع تلك القيود؟
كما هو موضح في الشكل الثاني، بريطانيا تحتل المرتبة الـ 15، من حيث استهلاك النفط حيث تستهلك (1.6 مليون برميل) يوميا ولكن يتم تداول ثلثي العقود الآجلة للنفط بمزيج خام برنت. المصافي البريطانية تشتري النفط الخام بالدولار، كما هو موضح في الشكل الثالث، ولكنها تبيع وقود التجزئة بالجنيه الاسترليني، وبالتالي فإن تأثير ضعف الاسترليني سوف يفاقم الركود في الطلب على النفط. مع ما يتوقع من زيادة الصادرات الأخرى بسبب إغراء هبوط الجنيه أمام أغلب العملات.
في عام 2015 انخفضت الوظائف المباشرة وغير المباشرة في قطاع النفط والغاز البريطاني من 370 ألف وظيفة إلى 84 ألف وظيفة، ولذلك تم تخفيض الضرائب على صناعة النفط في بحر الشمال إلى حد كبير في ميزانية بريطانيا الأخيرة في محاولة لمواجهة التراجع الشديد في الاستثمار في نفط بحر الشمال وحماية العمالة.
وإذا أضيف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى كل ما سبق من تعقيدات سيتساءل كثيرون عن مستقبل إنتاج النفط في بحر الشمال الذي كان عام 2015 عاما جيدا؛ حيث ارتفع إنتاجه إلى (100 ألف برميل) يوميا ووصل إلى (920 ألف برميل) يوميا، وبالتالي فإن انهيار الاستثمار النفطي سيكون السبب الرئيس لانخفاض الإنتاج وزيادة كبيرة في عدم اليقين في الاستثمارات المستقبلية.
وكما أشرنا سابقا فإنه يتم تداول ثلثي العقود الآجلة للنفط بمزيج خام برنت لذلك فإن مثل هذه الخطوة يمكن أن تقوض العقود الآجلة لخام برنت، الذي يمثل دعامة كبيرة لأسواق الأوراق المالية ومرتكزا ومعيارا ماديا
Physical Benchmark.
وهذا المعيار المادي لخام برنت، يعكس المؤشر المتوقع أن ينخفض على المدى الطويل مع أن السيولة كافية في الوقت الراهن. زيادة تعزيز الكميات الفعلية، بإضافة تيارات الخام الأخرى قد بدأت قبل نتائج التصويت، ومن غير الواضح كيف سيؤثر خروج بريطانيا على الإنتاج الفعلي لنفط بحر الشمال، ولذلك فإن شركة "رويال داتش شل"، أكبر شركة للأوراق المالية في سوق لندن للأوراق المالية، وشركة "بريتيش بتروليوم" صوتتا لمصلحة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي.
ومن الواضح أن كل ذلك يصب في مصلحة خام غرب تكساس الأمريكي، لأنه يقلل التخفيض الكبير الذي تمتع به سعر خام برنت عن سعر الخام الأمريكي لجعله أكثر جاذبية للتصدير WTI / Brent Spread، هذا إضافة إلى أن العقود الآجلة لخام غرب تكساس تتمتع ببيئة تنظيمية مصرفية ودية نسبيا، مقارنة بحالة عدم اليقين المحيطة بخام برنت، ما سيساعد خام غرب تكساس على أن يستعيد بعضا من هيمنته السابقة كمعيار عالمي
Global Benchmark.
أما في آسيا فإن أسواق النفط تراقب باهتمام شديد كل التغيرات على أسواق تداول العقود الآجلة لخام برنت، لأنها تعتمد عليه كسعر مرتكز، والأسواق الآسيوية جاهزة فور تراجع الأنظمة المالية في لندن أن تحل محل خام برنت القياسي.
حيث إن خروج بريطانيا سيبقي الدولار أقوى في المدى القصير، وارتفاع الدولار الأمريكي يجعل السلع مثل النفط نسبيا أغلى، فيما لو كانت تتداول بعملات أخرى.
وقد زادت مخاوف الاستثمارات المالية في أسواق النفط أخيرا، وكذلك الحال بالنسبة لاستثمارات المصارف في الصناديق المالية وصناديق التحوط التي تصنف على أنها "المال المدار" على عقود النفط الآجلة في انتظار زيادة التداول بعد ارتفاع الأسعار ليتسنى شراء عقود برنت الآجلة.
أما بالنسبة لتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على صناعة الغاز، فإنه من غير الواضح كيف سيؤثر القرار على صناعة الغاز الطبيعي، في المديين المتوسط والبعيد، حيث إن أسواق الغاز تعتبر إقليمية محدودة أكثر من أسواق النفط، وحيث إن توازن العرض والطلب من الممكن أن يتغير في أسواق الغاز تبعا لمتغيرات أخرى.
الجنيه الاسترليني من الممكن أن يفقد 20 في المائة من قيمته بشكل دائم، وذلك بزيادة الحواجز التجارية، بين بريطانيا وأوروبا، ما قد يتسبب في عجز تجاري، وحالة من الكساد.
ومثل هذه الخطوة، وما يمكن أن يأتي تبعا لها من التغيرات من الوارد أن تكون محفزا لتعزيز السيولة في مجمع غاز طبيعي واحد دون غيره وذلك اعتمادا على فرص المرجحة natural gas hub،arbitrage opportunities بين الأسواق في بريطانيا التي يتم تداول السلع فيها بالجنيه الاسترليني وأوروبا التي يتم تداول السلع فيها باليورو. كما هو موضح في الشكل الرابع.
وواردات بريطانيا من الغاز من النرويج، وهولندا وقطر، تمثل أكثر من 90 في المائة من إجمالي واردات بريطانيا في عام 2015 ومقابلها يؤدى بالجنيه الاسترليني، لذلك سيقع عبء تحمل مخاطر أسعار الصرف على المصدرين، بعد انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني. وأما واردات الغاز الطبيعي المسال من أمريكا فسيكون أداء قيمتها بالدولار، ما سيزيد الأمر تعقيدا بالنسبة للاقتصاد البريطاني.
وعلى صعيد الأسواق المالية فإن من شأنها أن تنظم تداول صفقات النفط الخام في أوروبا، في الوقت الذي تتبع فيه صناديق الاستثمارات البديلة، والأسهم والتحوط، لقوانين الاتحاد الأوروبي وهذا أيضا عامل آخر يضاف إلى ما سبقه من متغيرات تنذر بأن بريطانيا تتجه إلى هوة سحيقة، ومستقبل مجهول بعد انفصالها التام عن الاتحاد الأوروبي.
وأما على صعيد مستقبل الاستثمارات في مجال الطاقة داخل وخارج الاتحاد الأوروبي فلا يزال الوضع معلقا خصوصا، إذا تمكنت بريطانيا من تنفيذ طموحها بإغلاق جميع معامل الفحم بحلول عام 2025، وهو ما يشكل ضغطا على مصادر الطاقة الأخرى، مثل الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي. وبذلك تكون شركات الطاقة البريطانية أمام مستقبل مجهول، أول بوادره، العجز في القدرة التنافسية في أسواق الطاقة الأوروبية.
كل ما سبق لم يدع مجالا للشك، في أن بريطانيا وهي مستورد رئيس للطاقة، سوف تتأثر بما يحدث في أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن ترتفع أسعار الديزل على المدى الطويل، مع ضعف الجنيه، الذي جعل الدولار يتسيد واردات النفط البريطانية، التي يمثل استيراد الديزل 60 في المائة منها.
وهنا نخلص إلى أنه، على المدى القريب هناك تأثير كبير على التدفقات المالية ما سوف يتسبب في تقلبات أسواق النفط، وهو ما قد يؤثر على أسواق النفط الورقية Paper Market في حين أن السوق الفعلي للنفط Physical Market يتأثر نمو الطلب العالمي فيه بتقلبات الطلب في أسواق النفط الكبيرة، مثل أمريكا والصين والهند، ولا يتوقف الأمر على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للتحكم في موازنة العرض والطلب العالمي.
ولذلك فإن أسواق النفط لن تتغير على المدى القصير، لأن عملية مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي سوف تستغرق وقتا طويلا جدا، والمشتقات النفطية مقر تداولها ونشاطها التجاري في لندن، ولكن تخضع لقواعد وقوانين أوروبية ملزمة لشركات النفط العالمية في وجوب استمرار التقيد بالتزاماتها وبموجب قانون بريطاني، ويشمل ذلك تلك القواعد والنصوص المستمدة من قانون الاتحاد الأوروبي، ومتابعة تنفيذ خطط التشريع الذي لا يزال في حيز التنفيذ لدى النظام المالي البريطاني والمتمركز في لندن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي