اختبارات "المظلوم" : الصبر.. أو القهر أو الجنون أو القبر (1)

الإنسان كتلة من العظم والشحم واللحم... وهو أيضا كومة من الأعصاب والمشاعر والأحاسيس... والأحاسيس تستجيب للمثيرات فتهيج المشاعر وتوتر الأعصاب... وتختلف المثيرات من حيث شدتها وحدتها... فهناك مثيرات مقبولة معقولة وأخرى تعصف بالمشاعر وتقصف الأعصاب... وربما تبلغ درجة عنف (المثيرات) وقسوتها أكثر من (عشر درجات بمقياس – ريختر) فتحدث الزلازل العاتية.. (وتجيب عاليها واطيها)... وحينئذ – لا سمح الله – إما الصبر (إن حصل).. وإما القهر أو القبر – هذا إذا سلم من الجنون.
ومثلما تختلف أيضا الأحاسيس من حيث شفافيتها وجمودها... فهناك أحاسيس أوتارها كخيوط بيت العنكبوت... تهزها نسمة وتحزها أتفه أزمة.. بينما هناك أحاسيس باردة كالقطب الشمالي، جامدة كجبال الهمالايا (ويا جبل ما يهزك ريح) مثل الأمير أبو الوليد الشيباني "معن بن زائدة" الذي راهن أحد الأعراب على استفزازه بـ 100 من الإبل... وعجز عن استفزازه رغم قسوة ما قاله الأعرابي من هجاء... بل وأكرمه معن بمبلغ من المال". وأمثال هذا الشيباني انقرضوا مثل الديناصورات.
وتختلف استجابتنا للمثيرات باختلاف الزمان والمكان، فنحن أوسع صدرا في أول الشهر وأول الدوام وفي الإجازات، بينما تكون أعصابنا على (الحفة) آخر الشهر وآخر الدوام وقبل غروب الشمس عند الصيام... وكذلك نكون أكثر تحملا للمثيرات في بيوتنا المريحة مع أهلنا وأولادنا، أو نكون في إجازة في بلد جميل نقيم في فندق (خمس نجوم)، بينما نتحفز ونستعد للغضب ونحن نقيم في مكان قذر صاخب تنقصه وسائل الراحة.
وتختلف استجابتنا للمثيرات باختلاف الظروف المالية والاجتماعية واختلاف المزاج واختلاف.. واختلاف... إلى آخره.. وباختصار شديد نختلف في ردود أفعالنا مثلما نختلف في بصمات أصابعنا.
وبعد هذه المقدمة نكتب عن (مثير واحد فقط) يكثر تكراره وتمتلئ بسببه المقابر والسجون.
ويتولد هذا المثير من احتكاك طرفين.. وهناك مئات الأسباب التي توجد مثل هذا الاحتكاك، وتلمع الشرارة الأولى (بكلمة مثيرة) – شتيمة - ويتأزم الموقف ويتلبد الجو.. وإذا ترك للفعل وردة الفعل وغاب العقل وحضر التهور، فإن الموقف يتدهور إلى ما لا تحمد عقباه.
هذا المثير... هو المرحلة الأولى في رحلة (العداوة والبغضاء)، ومثلما حدد أمير الشعراء (أحمد شوقي) مراحل (المحبة والود) في بيت شعر واحد:
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
فقد حدد شاعر آخر مراحل (العداوة والبغضاء) بقوله:
وسباب، فهوشة، فعداء، فجروح.. فمحكمة... فعداء.
فإذا ما تم الاحتكاك، وانطلقت الشرارة الأولى (بكلمة شتيمة)، فإن العقل السليم هو الذي يلجم رد فعله ويلملم الموقف...
ولكن كيف؟
إن شاء الله في الحلقة القادمة بعد التكيف (كيف يتم ذلك).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي