استهلاك الطاقة في المملكة

الهبوط الحاد في أسعار النفط كان حافزا للتفكير مليا في تبني سياسات نقدية واقتصادية وضريبية في أغلب الدول المصدرة للنفط. وبلد الحرمين كان سباقا في رسم خطط، قريبة وبعيدة المدى، لكبح الإدمان على موارد النفط.
لقد أثبت التاريخ والتجربة أن مداخيل النفط، رغم أهميتها الكبيرة، تفرز نوعا من الهمود والجمود يؤخر أو يضع على الرف خططا وإجراءات كانت ولا تزال عماد الدورة الاقتصادية في الدول والمجتمعات المتطورة.
من الخطورة تعويد الناس على نمط محدد من السلوك والاستهلاك والإيحاء إليهم أن هذا النمط في الإمكان الاحتفاظ به وصيانته ودعمه وتعزيزه.
في البحث العلمي عندما نصل إلى نتائج محددة في الغالب نلحق عبارة تقول ما مفاده أن الاستنتاج يصح في حال بقيت الأمور على ما هي.
وعندما يتم وضع الخطط والميزانيات في السويد مثلا نرى أن المسؤولين يؤكدون أنهم بنوا سياساتهم واتخذوا إجراءاتهم استنادا إلى الظروف والمعطيات الموجودة.
العلماء والمسؤولون يأخذون احتياطات كثيرة خشية أن تجري الأمور عكس توقعاتهم.
وعالم اليوم عالم متقلب متحول ومتلون. والنفط كسلعة استراتيجية من الصعوبة بمكان جعله في منأى عن التقلبات.
وكي تتفادى أو في أقل تقدير تخفف من أثر التقلبات لا سيما في الأسعار والمداخيل، تتخذ المجتمعات المتمدنة تدابير اقتصادية وتأتي الضريبة في مقدمتها.
الضريبة وسيلة ناجعة في توجيه الاستهلاك والصرف والادخار لدى الأفراد والمؤسسات والشركات. والضريبة وسيلة ناجعة أيضا في خفض نسب الاستهلاك والصرف غير العقلاني لسلع أساسية واستراتيجية مثل النفط والمحروقات والخدمات العامة كالماء والكهرباء والسلع الغذائية الأساسية.
والضريبة أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. الدول المتطورة لا سيما ذات المنحى الاشتراكي مثل الدول الاسكندنافية سياستها الضريبية لا تساوي بين الذي يملك الكثير وبين الذي لا يملك أو يملك القليل.
الغني ـــ زاده الله في ماله وملكه ـــ بإمكانه الصرف قدر ما يشاء، ولكن كلما زاد استهلاكه زادت الضريبة التي يدفعها للمصلحة العامة.
أي سويدي في إمكانه شراء سيارة دفع رباعي وتشغيل أجهزة التكييف فيها قدر ما يشاء وسياقتها قدر ما يشاء ولكن عليه في النهاية دفع فاتورة عالية عن تصرفاته وعن أسلوب حياته الذي هو حر فيه.
ولأن الضريبة تتحكم في الاستهلاك، قلما ترى سويدي يقود سيارة دفع رباعي. هي متوافرة في صالونات البيع ولكن اقتناؤها مكلف ضريبيا.
بإمكان الغني أن يستهلك ما يشاء من الماء والكهرباء ولكن مقابل ثمن. زيادة الاستهلاك تقابلها زيادة كبيرة في الفاتورة.
وهكذا ترى أن الناس تقتر في استهلاك المحروقات والماء والكهرباء وغيرها من السلع الأساسية.
حتى الماء الحار صارت ضريبته عالية. إن زاد صرفه عن حد معين، قد تصل التكلفة إلى مئات الدولارات في الشهر. وهذا الإجراء اتخذته الدولة أخيرا عندما رأت أن الناس لا تكترث لاستهلاك الماء الحار. دون الضريبة تتحول أكثر الدول تقدما ورقيا إلى دول فاشلة ربما في غضون شهر واحد.
هل بإمكاننا أن نتصور كيف عاشت الدول النفطية، لا سيما الخليجية منها، كل هذه السنين لا بل العقود وهي لم تضع في حسبانها أسسا رصينة للضرائب؟
غياب سياسة ضريبية منصفة وعادلة وشاملة هي التي أطلقت العنان للناس في الصرف والاستهلاك دون حدود ودون رقيب.
لا أعلم كيف يترك بعض الناس مثلا سياراتهم ومكيفاتها تشتغل وهم في رحلة تسوق قد تستغرق ساعة أو أكثر؟ ولا أعلم كيف يترك بعض الناس مثلا التكييف يعمل في منازلهم وهم في رحلة قد تستغرق ساعات أو أياما؟
وفي الحقيقة كانت الأرقام التي نشرتها جريدتنا الغراء عن استهلاك السيارات في المملكة والبالغ 483 مليون برميل في السنة صادمة وصاعقة. هذا يعني أن السيارات فقط تستهلك تقريبا ما تنتجه المملكة من النفط في نحو شهرين.
هذه النسبة الكبيرة من الوقود استهلكتها 18.58 مليون سيارة التي كانت مسجلة حتى العالم الماضي. إن أخذنا نسبة الزيادة السنوية للوقود التي هي واحدة من أعلى النسب في العالم، علينا أن نتوقع كم سيصبح الاستهلاك في نهاية هذا العام.
هذه الأرقام لا تضع في الحسبان ما تستهلكه المحطات الكهربائية في المملكة حيث غالبيتها تشتغل على النفط.
ألقيت نظرة سريعة على المؤشر العالمي لاستهلاك النفط في العالم. أغلب الدول المتطورة بدأ استهلاك الوقود لا سيما استهلاك السيارات فيها في الانخفاض وبعضها في طريقه للتحول من النفط إلى مصادر طاقة بديلة في غضون عقدين.
يؤسفني القول إن نسبة الزيادة السنوية لاستهلاك النفط في المملكة كانت بين الأعلى في العالم.
وعلينا أن نتذكر نحن هنا نتحدث عن سلعة استراتيجية لا تزال مبيعاتها حتى اليوم العماد الرئيس للاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي