أسعار النفط: توقعات.. أم تخبيص؟

[email protected]

(1)
في بداية عام 1999، وفي آذار (مارس) تحديداً، نشرت مجلة "الإيكونوميست" المعروفة تقريرا جعلته موضوع الغلاف توقعت فيه وصول أسعار النفط إلى خمسة دولارات للبرميل واستمراره في ذلك المستوى فترة طويلة. في الوقت الذي مازال فيه العدد في السوق في ذلك الأسبوع ارتفعت أسعار النفط، ومازالت ترتفع منذ ذلك الوقت، بشكل عام، وحتى الآن. الأدهى من ذلك أن الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة كرمت الصحافي الهندي كاتب المقال بعد ذلك بسنوات وأعطته جائزة التميز الصحافي في مجال الطاقة!

(2)
أكد مات سيمنز، الذي أصبح مشهورا بعد تهجمه المستمر على السعودية، في منتصف العام الماضي، أن تتجاوز الأسعار 190 دولارا في نهاية العام الماضي. (دون تعليق)

(3)
منذ نحو شهر نشرت "الاقتصادية" مقابلة مع آدم سيمنسكي، رئيس قسم النفط والغاز في "دتشة بانك"، أشار فيها إلى توقع البنك انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولارا للبرميل...الأسعار الآن تجاوزت 98 دولارا للبرميل. هذا ليس بيت القصيد. رئيس "الدتشة بانك" نفسه أعلن الخميس الماضي أنه يتوقع وصول الأسعار إلى 100 دولار للبرميل! في اليوم التالي، يوم الجمعة، أصدر البنك تقريره الأسبوعي الذي يشير فيه إلى توقع وصول متوسط الأسعار إلى 74 دولارا للبرميل في الربع الثالث و68 دولارا للبرميل في الربع الرابع.

(4)
تقوم شركة بلوومبرج المشهورة بمسح آراء محللين وخبراء نفطيين كل أسبوع. رغم مرور عدة سنوات على هذه المسوحات، إلا أن درجة صحة التوقع مازالت نحو 50 في المائة فقط. وكما أسلفت في مقال سابق فإن هذا يعني أنه لو قام أي شخص.. أكرر .. أي شخص، باستخدام قطعة معدنية من النقود وقلبها في الهواء لمعرفة مستقبل أسعار النفط لخرج بالنتيجة نفسها التي وصل إليها الخبراء!

(5)
في الوقت الذي توقعت فيه كل من "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية ووزارة الطاقة الأمريكية أن يكون الطلب العالمي على النفط عام 2004 أقل من 80 مليون برميل يومياً، وصل الطلب الفعلي إلى نحو 82.5 مليون برميل يومياً، أي أن الخطأ في التوقع اقترب من مليار برميل سنوياً.. فقط!

(6)
بلغ خطأ توقع المنظمات المذكورة أعلاه لنمو الطلب على النفط في الصين عام 2004 نحو 700 ألف برميل يومياً، وهو ما يعادل 256 مليون برميل سنوياً.

(7)
توقعت إدارة المعلومات في وزارة الطاقة الأمريكية أن يكون متوسط سعر نفط غرب تكساس 24.25 دولار للبرميل في نهاية 2004، كما توقعت أن يرتفع السعر إلى 32 دولارا للبرميل إذا ارتفعت معدلات النمو العالمية إلى أقصاها المتوقع. بلغ متوسط السعر في ذلك الشهر نحو 44 دولارا للبرميل. أما "دتشة بانك" المذكور سابقاً فقد توقع أن يكون متوسط سعر خام غرب تكساس 25.40 دولار للبرميل، لكن متوسط السعر في الواقع بلغ نحو 42 دولارا في ذلك العام.

(8)
الفترات الأخيرة هي من الفترات التي يصبح فيها حتى الحليم حيرانا. فرغم أن كل البيانات تشير إلى أن أسعار النفط يجب أن تنخفض عن 95 دولارا للبرميل، وأن أسعار النفط لن تصل إلى 100 دولار، إلا أن الأسعار بقيت في مستوياتها بل استمرت في الارتفاع. لا شك أن الأعاصير في كل من خليج المكسيك وبحر الشمال أسهمت في تخفيض الطاقة الإنتاجية، إلا أنه لا توجد هناك مسببات لهذا السعر إلا إذا كانت البيانات الصادرة عن المنظمات المعروفة في هذا المجال غير دقيقة.

الخلاصة
أعتذر مرة أخرى للإخوة الإعلاميين الذين اتصلوا بي للتعليق على التطورات الأخيرة في أسواق النفط عن رفضي التعليق في الأسبوعين الأخيرين لأنني فعلاً فقدت القدرة على فهم مجريات السوق في الفترة الأخيرة. فالأمثلة التاريخية التي ذكرتها سابقاً، إضافة إلى تطورات السوق الأخيرة، تؤكد أن سبب المشكلة هو عدم توافر بيانات آنية صحيحة عن الإنتاج والعرض والطلب. لهذا فإن من أكبر الإنجازات التي يمكن أن يحققها قادة النفط في اجتماعهم السبت المقبل في الرياض الاتفاق على زيادة الشفافية وتطبيقها في أسرع وقت ممكن لأنها تسهم في استقرار أسعار النفط وتفقد المضاربين قدرتهم على التحكم في السوق، إن كانوا فعلا يتحكمون فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي