مواجهة تحديات التغير الاجتماعي

ما من مجتمع إلا ويمر بتحولات، منها السيئ، ومنها الحسن، فالثورة الصناعية مع ما جلبته من أمور إيجابية كثيرة كمخترعات ساعدت الناس في حياتهم، وتوفير وظائف للعاطلين وزيادة دخل الناس، ليحققوا مزيدا من الرفاهية، إلا أنها أفرزت الكثير من الظواهر السلبية، حيث ترتب على خروج الأبوين للعمل الإخلال بتربية الأبناء، إضافة إلى مشكلات زوجية نتيجة صعوبة التوفيق بين الدور في المنزل والعمل، مما ترتب عليه من الضغوط والقلق، وهذا بدوره قاد لإدمان الكحول، والمخدرات، والخيانات الزوجية ليحدث التفكك الأسري، وما السيارة التي تجوب شوارع مدن أمريكا لفحص DNA، ومن ثم تحديد النسب الحقيقي إلا نتيجة حتمية للتغيرات الاجتماعية غير المنضبطة.
الوضع الذي تشكل في أوروبا بعد الثورة الصناعية، وما حمله من مشكلات ترتب عليه السعي الحثيث لإيجاد الحلول والوسائل التي تحمي الأسر، والأفراد، ومن ثم المجتمع، ولذا افتتحت الجامعات تخصصات نفسية واجتماعيه، كأقسام الإرشاد النفسي، والصحة النفسية، وعلم النفس الإكلينيكي، والإرشاد الاجتماعي، والإرشاد الأسري، وأقسام التأهيل وغيرها من التخصصات لمواجهة التحديات المستجدة.
مجتمعنا، والمجتمعات العربية والإسلامية كغيرها من المجتمعات مرت بتحولات، وتمر في الوقت الراهن، وستمر بتحولات، وكل نوع منها يتناسب مع ما يمر به العالم من تغيرات متسارعة تقنية، واقتصادية، وسياسية، ومصلحة المجتمع والأسر والأفراد تستوجب التفطن لهذه التحولات إيجابيها وسلبيها، ويجب ألا نحاكي النعامة وندس الرؤوس في التراب وننكر الواقع، فما نحن إلا ترس في هذا العالم نتحرك معه، ومهما قاومنا، أو حاولنا مقاومة التغير لن نتمكن، ذلك أننا لسنا جزيرة معزولة عن العالم، ويحيط بنا سياج يمنع الآثار المترتبة.
لو أغلقنا الحدود البرية بهدف التحصين لما استطعنا إغلاق الفضاء ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في جيب الكبير والصغير، وبين اليدين يتم التعرف عن طريقها على كل شيء حل أو حرم، ومع هذا الوضع المعقد والملتبس يلزم أن نسأل ماذا عملنا؟ وماذا يمكن أن نفعل لتحصين أبنائنا وهم عماد مجتمعنا وطاقته المحركة ومن يذودون عن العرين؟!
تأهيل أبناء الوطن علميا، وزيادة معارفهم في تخصصاتهم مع إكسابهم المهارات الضرورية لإنجاز الأعمال التي توكل لهم يمثل خطوة أساسية حتى لا تستمر حالة التوظيف الصوري القائمة حاليا والتي أوجدت جيلا لا يجيد القيام بمهامه لأن فاقد الشيء لا يعطيه، حتى تحولوا إلى عالة على أصحاب العمل للوفاء بنسبة السعودة، ولذا في ظني أن التربية الحقيقية أن نبعث الحس الوطني المتمرد على حالة الكسل، والشعور بالدونية الذي تسلل إلى النفوس نتيجة المقارنة الخاطئة بالأجنبي الذي تم تصويره بالسوبرمان، والإنسان الذي لا يقهر، المبدع، ذي القدرات الفائقة.
الإجراء الثاني ضرورة غرس روح الانتماء للوطن والمجتمع والأمة، فبلادنا لا يمكن أن تعزل عن محيطها العربي والإسلامي، بما فيه من عناصر قوة وضعف، وغرس هذا الشعور من شأنه توليد الشعور بالمسؤولية ليس للذات والأسرة والمجتمع، بل للأسرة الأكبر، إنها أسرة الأمة، لأن الأمة مرتبطة ببلادنا شئنا أم أبينا، وما أحسبنا نتخلى عن هذه المسؤولية.
شعور الفرد من أبناء المجتمع أن له دورا يقوم به لبناء وطنه، والإسهام في تنميته يزيد من الولاء ويقويه، ويبعد الشباب عن مصائد الانحراف الفكري، والعقدي، والسلوكي، إضافة إلى ما يجب أن يقدم له من جرعات تحصين تحافظ على الهوية الأساس، هوية الدين والعروبة.
من الإجراءات الضرورية أن يتصدى للتعامل مع الناس من لديهم القدرة على التعامل مع الواقع والاستبصار به، وفهمه وفق سياق العصر والتاريخ، إذ لا يمكن الاعتماد على من لا يقرأ الصحف، ولا يشاهد القنوات، ولا يتعامل مع الفضائيات، ولا يدخل الأسواق ولا يعرف سبيلا لوسائط التواصل الاجتماعي، وإنما تنقل المعلومة له نقلا، مع ما يعتري عملية النقل من سوء إدراك وفهم، أو تحريف وتصوير خاطئ للواقع، فمثل هذا كيف سيعالج علل الأفراد؟ وكيف يعالج علل المجتمع التي يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والنفسي؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي